→ فصل: رؤية النبي مناما مثال لا مثل | صيد الخاطر فصل: يجب أن يكون المحدث فقيها ابن الجوزي |
فصل: العقل السليم في الجسم السليم ← |
فصل: يجب أن يكون المحدث فقيها
هذا فصل غزير الفائدة. اعلم أنه لو اتسع العمر لم أمنع من الإيغال في كل علم إلى منتهاه، غير أن العمر قصير والعلم كثير. فينبغي للإنسان أن يقتصر من القراءات إذا حفظ القرآن على العشر. ومن الحديث على الصحاح، والسنن والمسانيد المصنفة. فإن علوم الحديث قد انبسطت زائدة في الحد وما في هذا الجزاء وإنما الطرق تختلف. وعلم الحديث يتعلق بعضه ببعض، وهو مشتهى، والفقهاء يسمونه علم الكسالى، لأنهم يتشاغلون بكتابته وسماعه، ولا يكادون يعانون حفظه، ويفوتهم المهم وهو الفقه. وقد كان المحدثون قديما هم الفقهاء، ثم صار الفقهاء لا يعرفون الحديث، والمحدثون لا يعرفون الفقه. فمن كان ذا همة ونصح نفسه تشاغل بالمهم من كل علم، وجعل جل شغله الفقه، فهو أعظم العلوم وأهمها. وقد قال أبو زرعة: كتب إلي أبو ثور: فإن هذا الحديث قد رواه ثمانية وتسعون رجلا عن رسول الله ﷺ، والذي صح منه طرق يسيرة. فالتشاغل بغير ما صح يمنع التشاغل بما هو أهم. ولو إتسع العمر إستيفاء كل الطرق في كل الأحاديث غاية في الجودة، ولكن العمر قصير. ولما تشاغل بالطرق مثل يحي بن معين فاته من الفقه كثير، حتى أنه سئل عن الحائض أيجوز أن تغسل الموتى. فلم يعلم، حتى جاء أبو ثور فقال: يجوز، لأن عائشة رضي الله عنها قالت: [ كنت أرجل رأس رسول الله ﷺ وأنا حائض ]. فيحي أعلم بالحديث منه، ولكن لم يتشاغل بفهمه. فأنا أنهي أهل الحديث أن تشغلهم ككثرة الطرق. ومن أقبح الأشياء أن تجري حادثة يسأل عنها شيخ قد كتب الحديث ستين سنة فلا يعرف حكم الله عز وجل فيها. وكذلك أنهي من يتشاغل بالتزهد والإنقطاع عن الناس أن يعرض عن العلم، بل ينبغي أن يجعل لنفسه منه حظا ليعلم إن زل كيف يتخلص.