→ فصل: تغطية العقل وتدبيره | صيد الخاطر فصل: التلطف في محادثة العوام ابن الجوزي |
فصل: الرجل هو من يراعي حفظ الحدود وإخلاص العمل ← |
فصل: التلطف في محادثة العوام
من المخاطرات العظيمة تحديث العوام بما لا تحتمله قلوبهم، أو بما قد رسخ في نفوسهم ضده. مثاله أن قوما قد رسخ في قلوبهم التشبيه، وأن ذات الخالق سبحانه ملاصقة للعرش، وهي بقدر العرش، ويفضل من العرش أربعة أصابع. وسمعوا مثل هذا من أشياخهم، وثبت عندهم أنه إذا نزل وانتقل إلى السماء الدنيا فخلت منه ست سموات. فإذا دعى أحدهم إلى التنزيه وقيل له ليس كما خطر لك، إنما ينبغي أن تمر الأحاديث كما جاءت من غير مساكنة ما توهمته، صعب هذا عليه لوجهين: أحدهما: لغلبة الحس عليه، والحس على العوام أغلب. والثاني: لما قد سمعه من ذلك من الأشياخ الذين كانوا أجهل منه. فالمخاطب لهذا مخاطر بنفسه، ولقد بلغني عن بعض من كان يتدين ممن قد رسخ في قلبه التشبيه أنه سمع من بعض العلماء شيئا من التنزيه، فقال: والله لو قدرت عليه لقتلته. فالله الله أن تحدث مخلوقا من العوام بما لا يحتمله دون إحتيال وتلطف، فإنه لا يزول ما في نفسه، ويخاطر المحدث له بنفسه. فكذلك كل ما يتعلق بالأصول.