→ فصل: متى تحقق المراقبة حصل الأنس | صيد الخاطر فصل: دوام الود بحسن الائتلاف ابن الجوزي |
فصل: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ← |
فصل: دوام الود بحسن الائتلاف
الدنيا في الجملة معبر فينبغي للإنسان ألا ينافس بلذاتها، وأن يعبر الأيام بها، فإنه لو تفكر في كيفية الذبائح، ووسخ من يباشرها، وعمل الكامخ وغيرها من المأكولات ما طابت له. ولو تفكر في جولان اللقمة مختلطة بالريق ما قدر على إساغتها. والمرء لا يخلو من حالين، إما أن يريد التنعم باللذات المباحات، أو يريد دفع الوقت بالضرورات، وأيهما طلب فلا ينبغي له أن يبحث فيما يناله عن باطنه، فإنه لو نظر إلى عورة الزوجة نبا عنها، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: ما رأيته من رسول الله ﷺ ولا رآه مني. فينبغي للعاقل أن يكون له وقت معلوم يأمر زوجته بالتصنع له فيه، ثم يغمض عن التفتيش ليطيب له عيشه. وينبغي لها أن تتفقد من نفسها هذا، فلا تحصره إلا على أحسن حال، وبمثل هذا يدوم العيش. فأما إذا حصلت البذلة بانت بها العيوب، فنبت النفس وطلبت الاستبدال، ثم يقع في الثانية مثل ما وقع في الأولى. وكذلك ينبغي أن يتصنع لها كتصنعها له، ليدوم الود بحسن الائتلاف، ومتى لم يجر الأمر على هذا في حق من له أنفه من شيء تنبو عنه النفس، وقع في أحد أمرين: إما الإعراض عنها، وإما الاستبدال بها. ويحتاج في حالة الإعراض إلى صبر عن أغراضه، وفي حالة الاستبدال إلى فضل مؤنه وكلاهما يؤذي. ومتى لم يستعمل ما وصفنا لم يطب له عيش في متعه، ولم يقدر على دفع الزمان كما ينبغي.