→ فصل: ليس المراد من العلم فهم الألفاظ | صيد الخاطر فصل: الفقه يحتاج إلى جميع العلوم ابن الجوزي |
فصل: قدماء العلماء وهمتهم العالية ← |
فصل: الفقه يحتاج إلى جميع العلوم
وعلي للفقيه أن يطالع من كل فن طرفا من تاريخ وحديث ولغة وغير ذلك، فإن الفقه يحتاج إلى جميع العلوم، فليأخذ من كل شيء منها مهما ولقد رأيت بعض الفقهاء يقول كان إجتمع الشبلي، وشريك القاضي، فاستعجبت له كيف لا يدري بعد ما بينهما. وقال آخر في مناظره: كانت الزوجية بين فاطمة وعلي رضي الله عنه غير منقطعة الحكم، فلهذا غسلها. فقلت له: ويحك فقد تزوج أمامه بنت زينب، وهي بنت أختها فإنقطع. ورأيت في كتاب إحياء علوم الدين للغزالي من هذا ما يدهش من التخليط في الأحاديث والتواريخ، فجمعت من أغاليطه في كتاب. وقد ذكر في كتاب له سماه المستظهري وعرضه على المستظهر بالله، أن سليمان بن عبد الملك بعث إلى أبي حازم فقال له: ابعث لي من فطورك، فبعث إليه نخالة مقلوة فأفطر عليها، ثم جامع زوجته فجاءت بعبد العزيز، ثم ولد له عمر. وهذا تخليط قبيح، فإنه جعل عمر بن عبد العزيز ابن سليمان بن عبد الملك فجعل سليمان جده، وإنما هو ابن عمه. وقد ذكر أبو المعالي الجويني في أواخر كتاب الشامل في الأصول قال: قد ذكرت طائفة من الثقاب المعتنين بالبحث عن البواطن أن الحلاج، والجبائي القرمطي، وابن المقفع تواصوا على قلب الدول وإفساد المملكة واستعطاف القلوب، وارتاد كل منهم قطرا، فقطن الجباري في الإحساء، وتوغل ابن المقفع في أطراف بلاد الترك، وقطن الحلاج ببغداد، فحكم عليه صاحباه بالهلكة والقصور عن بلوغ الأمنية لبعد أهل بغداد عن الإنخداع، وتوفر فطنتهم، وصدق فراستهم. قلت: ولو أن هذا الرجل أو من حكى عنه عرف التاريخ لعلم أن الحلاج لم يدرك ابن المقفع، فإن ابن المقفع أمر بقتله المنصور، فقتل في سنة أربع وأربعين ومائة. وأبو سعيد الجبائي القرمطي ظهر في سنة ست وثمانين ومائتين. والحلاج قتل سنة تسع وثلاثمائة. فزمان القرمطي والحلاج متقاربان، فأما ابن المقفع فكلا. فينبغي لكل ذي علم أن يلم بباقي العلوم، فيطالع منها طرفا، إذ لكل علم بعلم تعلق. وأقبح بمحدث يسأل عن حادثة فلا يدري، وقد شغله منها جمع طرق الأحاديث. وقبيح بالفقه أن يقال له: ما معنى قول رسول الله ﷺ كذا، فلا يدري صحة الحديث ولا معناه. نسأل الله عز وجل همة عالية لا ترضى بالنقائض بمنه ولطفه.