→ فصل: الجمع بين العمل والعلم صعب | صيد الخاطر فصل: ثقة الإنسان بعلم نفسه آفة كبرى ابن الجوزي |
فصل: ويل لمن عرف مرارة الجزاء ثم آثر لذة المعصية ← |
فصل: ثقة الإنسان بعلم نفسه آفة كبرى
المصيبة العظمى رضى الإنسان عن نفسه واقتناعه بعلمه، وهذه محنة قد عمت أكثر الخلق. فترى اليهودي أو النصراني يرى أنه على الصواب، ولا يبحث ولا ينظر في دليل نبوة نبينا ﷺ. وإذا سمع ما يلين قلبه مثل القرآن المعجز هرب لئلا يسمع. وكذلك كل ذي هوى يثبت عليه، إما لأنه مذهب أبيه وأهله، أو لأنه نظر نظرا أول فرآه صوابا، ولم ينظر فيما يناقضه، ولم يباحث العلماء ليبينوا له خطأه. ومن هذا حال الخوارج على أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه، فإنهم إستحسنوا ما وقع لهم ولم يرجعوا إلى من يعلم. ولما لقيهم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فبين لهم خطأهم رجع عن مذهبه منهم ألفان. وممن لم يرجع عن هواه ابن ملحم، فرأى مذهبه هو الحق فإستحل قتل أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه، ورآه دينا حتى أنه لما قطعت أعضاؤه لم يمانع. فلما طلب لسانه ليقطع إنزعج وقال: كيف أبقى ساعة في الدنيا لا أذكر الله. ومثل هذا ما له دواء. وكذلك كان الحجاج يقول: [ والله ما أرجو الخير إلا بعد الموت ]. هذا قوله وكم قتل من لا يحل قتله، منهم سعيد بن جبير. وقد أخبرنا عبد الوهاب وابن ناصر الحافظ قالا: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال: أخبرنا الحسين بن محمد النصيبي قال: أخبرنا إسماعيل بن سعيد: قال: حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال: حدثنا أبو عيسى الختلي قال: حدثنا أبو يعلى قال: حدثنا الأصمعي قال: حدثنا أبو عاصم، عن عباد بن كثير، عن قحدم، قال: وجد في سجن الحجاج ثلاثة وثلاثون ألفا، ما يجب على واحد منهم قطع ولا قتل ولا صلب. قلت: وعموم السلاطين يقتلون ويقطعون ظنا منهم جواز ذلك، ولو سألوا العلماء يبنوا لهم. وعموم العوام يبارزون بالذنوب اعتمادا على العفو وينسون العقاب. ومنهم من يعتمد أني من أهل السنة، أو أن لي حسنات قد تنفع، وكل هذا لقوة الجهل. فينبغي للإنسان أن يبالغ في معرفة الدليل ولا يساكن شبهته، ولا يثق بعلم نفسه. نسأل الله السلامة من جميع الآفات.....