→ فصل: القلوب تشهد للصالح بالصلاح | صيد الخاطر فصل: سيرة السلف الصالح ابن الجوزي |
فصل: سلم لما لا تعلم ← |
فصل: سيرة السلف الصالح
قدم علينا بعض الفقهاء من بلاد الأعاجم، وكان قاضيا ببلده، فرأيت على دابته الذهب ومعه أنوار الفضة وأشياء كثيرة من المحرمات. فقلت: أي شيء أفاد هذا العلم؟ بل والله قد كثرت عليه الحجج. وأكبر الأسباب قلة علم هؤلاء بسيرة السلف وما كان عليه رسول الله ﷺ، إنهم يجهلون الجملة، ويتشاغلون بعلم الخلاف، ويقصدون التقدم بقشور المعرفة وليس يعنيهم سماع حديث ولا نظر في سير السلف. ويخالطون السلاطين فيحتاجون إلى التزيي بزيهم، وربما خطر لهم أن هذا قريب، وإن لم يخطر لهم فالهوى غالب بلا صاد. وربما خطر لهم أن: هذا يحتمل ويغفر، في جانب تشاغلنا بالعلم. ثم يرون العلماء يكرمونهم لنيل شيء من دنياهم، ولا ينكرون عليهم. ولقد رأيت من الذين ينتسبون إلى العلم من يستصحب المردان، ويشتري المماليك، وما كان يفعل هذا إلا من قد يئس من الآخرة. ورأيت من قد بلغ الثمانين من العلماء، وهو على هذه الحالة. فالله الله من يريد حفظ دينه ويوقن بالآخرة، إياك والتأويلات الفاسدة، الأهواء الغالبة، فإنك أن ترخصت بالدخول في بعضها جرك الأمر إلى الباقي، ولم تقدر على الخروج لموضع إلف الهوى. فإقبل نصحي، واقنع بالكسرة، وابعد عن أرباب الدنيا، فإذا ضج الهوى فدعه لهذا. وربما قال لك: فالأمر الفلاني قريب، فلا تفعل، فإنه لو كان قريبا يدعو إلى غيره ويصعب التلافي. فالصبر الصبر على شظف العيس، والبعد عن أرباب الهوى، فما يتمدين إلا بذلك. ومتى وقع الترخص حمل إلى غيره، كالشاطئ إلى اللجة. وإنما هو طعام دون طعام ولباس دون لباس، ووجه أصبح من وجه، وإنما هي أيام يسيرة.