→ فصل: إنما تؤتى البيوت من أبوابها | صيد الخاطر فصل: طاعة الله يفتقر إلى جمع الهم ابن الجوزي |
فصل: لا تسبوا الدهر ← |
فصل: طاعة الله يفتقر إلى جمع الهم
لا ريب أن القلب المؤمن بالإله سبحانه وبأوامره يحتاج إلى الإنعكاف على ذكره وطاعته وإمتثال أوامره، وهذا يفتقر إلى جمع الهم. وكفى بما وضع في الطبع من المنازعة إلى الشهوات مشتتا للهم المجتمع. فينبغي للإنسان أن يجتهد في جمع همه لينفرد قلبه بذكر الله سبحانه وتعالى وإنفاذ أوامره والتهيؤ للقائه. وذلك إنما يحصل بقطع القواطع، والامتناع عن الشواغل. وما يمكن قطع القواطع جملة، فينبغي أن يقطع ما يمكن منها. وما رأيت مشتتا للهم، مبددا للقلب مثل شيئين: أحدهما: أن تطاع النفس في طلب كل شيء تشتهيه وذلك لا يوقف على حد فيه، فيذهب الدين والدنيا ولا ينال كل المراد. مثل أن تكون الهمة في المستحسنات أو في جمع المال أو في طلب الرياسة، وما يشبه هذه الأشياء. فيا له من شتات لا جامع له، يذهب العمر ولا ينال بعض المراد منه. والثاني: مخالطة الناس خصوصا العوام والمشي في الأسواق، فإن الطبع يتقاضى بالشهوات وينسى الرحيل عن الدنيا، ويحب الكسل عن الطاعة، والبطالة والغفلة والراحة. فيثقل على من ألف مخالطة الناس والتشاغل بالعلم أو بالعبادة. ولا يزال يخالطهم حتى تهون عليه الغيبة وتضيع الساعات في غير شيء. فمن أراد اجتماع همه فعليه بالعزلة بحيث لا يسمع صوت أحد، فحينئذ يخلو القلب بمعارفة، ولا تجد النفس رفيقا مثل الهوى يذكرها ما تشتهي. فإذا اضطر إلى المخالطة كان على وفاق، كما تتهوى الضفدع لحظة ثم تعود إلى الماء فهذه طريق السلامة. فتأمل فوائدها تطب لك.