→ فصل: النفس تطلب مالا تقدر عليه | صيد الخاطر فصل: إنما يخشى الله من عباده العلماء ابن الجوزي |
فصل: الخوف من الذنوب ولو بعد التوبة ← |
فصل: إنما يخشى الله من عباده العلماء
إذا تم علم الإنسان لم ير لنفسه عملا، وإنما يرى إنعام الموفق لذلك العمل الذي يمنع العاقل أن يرى لنفسه عملا أو يعجب به. وذلك بأشياء: منها أنه وفق لذلك العمل حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم. ومنها أنه إذا قيس بالنعم لم يف بمعشار عشرها. ومنها: أنه إذا لوحظت عظمة المخدوم، إحتقر كل عمل وتعبد. هذا إذا سلم من شائبه وخلص من غفلة، فأما والغفلاة تحيط به، فينبغي أن يغلب الحذر من رده، ويخاف العتاب على التقصير فيه، فيشتغل عن النظر إليه. وتأمل على الفطناء أحوالهم في ذلك، فالملائكة الذي يسبحون الليل والنهار لا يفترون قالوا ما عبدناك حق عبادتك. والخليل عليه السلام يقول: والذي أطمع أن يغفر لي وما أدل بتصبره على النار وتسليمه الولد إلى الذبح. ورسول الله ﷺ يقول: ما منكم من أحد ينجيه عمله. قالوا: ولا أنت؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته. وأبو بكر رضي الله عنه يقول: [ وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله ]. وعمر رضي الله عنه يقول: [ لو أن لي طلاع الأرض لإفتديت بها من هول ما أمامي قبل أن أعلم ما الخبر ]. وابن مسعود يقول: [ ليتني إذا مت لا أبعث ]. وعائشة رضي الله عنها تقول: [ ليتني كنت نسيا منسيا ]. وهذا شأن جميع العقلاء فرضي الله عن الجميع. وقد روي عن قوم من صلحاء بني إسرائيل ما يدل على قلة الأفهام لما شرحته، لأنهم نظروا إلى أعمالهم فأدنوا بها. فمنه حديث العابد الذي تعبد خمسمائة سنة في جزيرة، وأخرج له كل ليلة رمانة، وسأل الله تعالى أن يميته في سجوده، فإذا حشر قيل له أدخل الجنة برحمتي، قال: بل بعملي، فيوزن جميع عمله بنعمة واحدة فلا يفي، فيقول: يارب برحمتك. وكذلك أهل الغار الذين انطبقت عليهم الصخرة، فإن أحدهم توسل بعمل كان ينبغي أن يستحي من ذكره، وهو أنه عزم على الزنا،ثم خاف العقوبة فتركه. فليت شعري بماذا يدل من خاف أن يعاقب على شيء فتركه تخوف العقوبة. إنما لو كان مباحا فتركه كان فيه ما فيه. ولو فهم لشغله خجل الهمة عن الإدلال، كما قال يوسف عليه السلام: وما أبرئ نفسي. والآخر ترك صبيانه يتضاغون إلى الفجر ليسقى أبويه اللبن. وفي هذا البر أذى للأطفال، ولكن الفهم عزيز. وكأنهم لما أحسنوا، قال لسان الحال كان أعطوهم ما طلبوا، فإنهم يطلبون أجرة ما عملوا. ولولا عزة الفهم ما تكبر متكبر على جنسه، ولكان كل كامل خائفا محتقرا لعلمه، حذرا من التقصير في شكر ما أنعم عليه. وفهم هذا المشروح ينكس رأس الكبر، ويوجب مساكنة الذل. فتأمله فإنه أصل عظيم.