→ فصل: حديث ابن الجوزي عن نفسه | صيد الخاطر فصل: اختر ما تميل النفس إليه ولا يرقى لمقام العشق ابن الجوزي |
فصل: نية المؤمن أبلغ من عمله ← |
فصل: اختر ما تميل النفس إليه ولا يرقى لمقام العشق
من الأمور التي تخفي على العاقل أن يرى أنه متى لم تكن عنده امرأة أوجارية يهواها هوى شديدا أنه لا يلتذ في الدنيا. فإذا صور محبوبا مملوكا تخايل لذة عظيمة. وإذا كان عنده من لا يميل إليه عتقد نفسه محروما. وهذا أمر شديد الخفاء. فينبغي أن يوضح. وهو أن المملوك مملول. ومتى قدر الإنسان على ما يشتبه مله ومال إلى غيره. تارة لبيان عيوبه التي تكشفها المخالطة فإنه قد قال الحكماء: العشق يعمي عن عيوب المحبوب. وتارة لمكان القدر عليه، والنفس لا تزال تتطلع إلى ما لا تقدر عليه. ثم لو قدرنا دوام المحبة مع القدر فإنها قد تكون ولكن ناقصة بمقدار القدرة، وإنما بقوتها تجني المحبوب. فيكون تجنبه كالإمتناع، او إمتناعه من الموافقة. فإذا صفا فلا بد من اكدار، منها الحذر عليه، ومنها قلة ميله إلى هذا العاشق. وربما يتكلف القرب منه، ويعلم الإنسان بقلة ميل محبوبه إليه فينغص بل يبغض. فإن خاف منه خيانة إحتياج إلى حراسة فقويت النغص. وأصلح المقامات التوسط، وهو إختيار ما تميل النفس إليه ولا يرتقي إلى مقام العشق، فإن العاشق في عذاب. وإنما يتخايل الفارغ من العشق إلتذاذ العاشق وليس كذلك. فإنه كما قيل:
وما في الأرض أشقى من محب وإن وجد الهوى عذب المذاق
تراه باكيا في كل وقت مخافة فرقة أو لاشتياق
فيبكي إن نأوا شوقا إليهم ويبكي إن دنوا خوف الفراق
فتسخن عينه عن التداني وتسخن عينه عند الفراق