→ فصل: ليس في الدنيا حقيقة لذة | صيد الخاطر فصل: لا تغتر بالسلامة وانشد الإصلاح ابن الجوزي |
فصل: قياس الغائبات على الحاضر تخليط للعقيدة ← |
فصل: لا تغتر بالسلامة وانشد الإصلاح
أعجب الأشياء اغترار الإنسان بالسلامة، وتأميله الإصلاح فيما بعد وليس لهذا الأمل منهى، ولا للاغترار حد. فكلما أصبح وأمسى معافى، زاد الاغترار وطال الأمل. وأي موعظة أبلغ من أن ترى ديار الأقران وأحوال الإخوان وقبور المحبوبين، فتعلم أنك بعد أيام مثلهم، ثم لا يقع انتباه حتى ينتبه الغير بك، هذا والله شأن الحمقى. حاشا من له عقل أن يسلك هذا المسلك. بلى والله إن العاقل ليبادر السلامة، فيدخر من زمنها للزمن، ويتزود عند القدرة على الزاد لوقت العسرة. خصوصا لمن قد علم أن مراتب الآخرة إنما تعلو بمقدار علو العمل لها، وأن التدارك بعد الفوت لا يمكن. وقدر أن العاصي عفى عنه، أينال مراتب العمال؟ ومن أجال على خاطرة ذكر الجنة التي لا موت فيها ولا مرض ولا نوم ولا غم، بل لذاتها متصلة من غير انقطاع، وزيادتها على قدر زيادة الجد ههنا، انتهب هذا الزمان فلم ينم إلا ضرورة، ولم يغفل عن عمارة لحظة. ومن رأى أن ذنبا قد مضت لذته وبقيت آفاته دائمة، كفاه ذلك زاجرا عن مثله، خصوصا الذنوب التي تتصل آثارها مثل أن يزني بذات زوج، فتحمل منه فتلحق بالزوج فيمنع الميراث أهله ويأخذ من ليس من أهل، وتتغير الأنساب والفرش، ويتصل ذلك أبدا، وكله شؤم لحظة. فنسأل الله عز وجل توفيقا يلهم الرشادة، ويمنع الفساد، إنه قريب مجيب.