→ فصل: أطفئ نار الذنوب بدمع الندم | صيد الخاطر فصل: قف على باب المراقبة وقوف الحارس ابن الجوزي |
فصل: من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ← |
فصل: قف على باب المراقبة وقوف الحارس
واعجبا من عارف بالله عز وجل يخالفه ولو في تلف نفسه. هل العيش إلا معه؟ هل الدنيا والآخرة إلا له؟ أف لمترخص في فعل ما يكره لنيل ما يحب. تالله لقد فاته أضعاف ما حصل. أقبل على ما أقوله يا ذا الذوق، هل وقع لك تعثير في عيش؟ وتخبيط في حال؟ إلا حال مخالفته:
ولا انثنى عزمي عن بابكم إلا تعثرت بأذيالي
أما سمعت تلك الحكاية عن بعض السلف أنه قال: رأيت على سور بيروت شابا يذكر الله تعالى فقلت له: ألك حاجة؟ فقال: إذا وقعت لي حاجة سألته إياها بقلبي فقضاها. يا أرباب المعاملة، بالله عليكم لا تكدروا المشرب، قفوا على باب المراقبة وقوف الحراس، وادفعوا مالا يصلح أن يلج فيفسد، واهجروا أغراضكم لتحصيل محبوب الحبيب، فإن أغراضكم تحصل. على أنني أقول أف لمن ترك بقصد الجزاء: أهذا شرط العبودية، كلا؟ إنما ينبغي لي إذا كنت مملوكا أن أفعل ليرضى لا لأعطى. فإن كنت محبا رأيت قطع الأرباب في رضاه وصلا. اقبل نصحي يا مخدوعا بغرضه، إن ضعفت عن حمل بلائه فاستغث به، وإن آلمك كرب اختياره فإنك بين يديه، ولا تيأس من روحه وإن قوي خناق البلاء، بالله إن موت الخادم في الخدمة حسن عند العقلاء. إخواني لنفسي أقول، فمن له شرب معي فليتردد: أيتها النفس لقد أعطاك ما لم تأملي، وبلغك ما لم تطلبي، وستر عليك من قبيحك ما لو فاح ضجت المشام، فما هذا الضجيج من فوات كمال الأغراض؟ أمملوكة أنت أم حرة؟ أما علمت أنك في دار التكليف، وهذا الخطاب ينبغي أن يكون للجهال، فأين دعواك المعرفة؟ أتراه لو هبت نفحة فأخذت البصر، كيف كانت تطيب لك الدنيا؟ وا أسفا عليك لقد عشيت البصيرة التي هي أشرف، وما علمت كم أقول عسى ولعل؟ وأنت في الخطأ إلى قدام. قربت سفينة العمر من ساحل القبر، وما لك في المركب بضاعة تربح. تلاعبت في بحر العمر ريح الضعف، ففرقت تلفيق القوى، وكأن قد فصلت المركب، بلغت نهاية الأجل وعين هواك تتلفت إلى الصبا. بالله عليك لا تشمتي بك الأعداء، هذا أقل الأقسام، وأوفى منها، أن أقول: بالله عليك لا يفوتنك قدم سابق مع قدرتك على قطع المضمار. الخلوة، الخلوة، واستحضري قرين العقل، وجولي في حيرة الفكر، واستدركي صبابة الأجل، قبل أن تميل بك الصبابة عن الصواب. اعجبا كلما صعد العمر نزلت، وكلما جد الموت هزلت. أتراك ممن ختم له بفتنة، وقضيت عليه آخر عمره المحنة، كان أول عمرك خيرا من الأخير. كنت في زمن الشباب أصلح منك في زمن أيام المشيب وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون. نسأل الله عز وجل ما لا يحصل مطلوبنا إلا به، وهو توفيقه إنه سميع مجيب.