→ فصل: الإجتهاد في معرفة الحق | صيد الخاطر فصل: التقوى خير ذخيرة للنفس ابن الجوزي |
فصل: الزهد الكاذب ← |
فصل: التقوى خير ذخيرة للنفس
للنفس ذخائر في البدن، منها الدم والمني وأشياء تتقوى بها. فإذا فقدت الذخائر ولم يبق منها شيء ذهبت. ومن ذخائرها بالمال والجاه وما يوجب الفرح. فإذا فقدت ذلك وكانت عزيزة ذات أنفة حرجت. وقد يهجم عليها الخوف فلا تجد ذخيرة من الرجاء يقاومه فتذهب. ويغلب عليها الفرح فلا تجد من الحزن ما يقاومه فتذهب. فاجتهد كفي حفظ ذخائرها وخصوصا الشيخ، فإنه ينبغي له ألا يفرح بإخراج الدم، ولا بإخراج المني وإن وجد شبقا، إلا أن يكون الشبق زائدا في الحد فيخرج المؤذي في كل حين. وعلامة أن يكون مؤذيا وجود الرحة عند خروجه، فمتى وجد ضعفا فقد آذى خروجه. وليحفظ ذو الأنفة على نفسه حشمته، بألا يقف في موقف يعاب به، فإنه يتمتع بذخيرة العز والأنفة ويضاد النفس ضد ذلك. وكذلك ينبغي أن يستعد لآخر عمره بالمال مخافة أن يحتاج فيذل أو يسعى وقد كلت الآلة. ولأن يخلف لعدوه، أولى من أن يحتاج إلى صديقه. ولا يلتفت إلى من يذم المال، فإنهم الحمقى الجهال، الذين اتكلوا على خبز الراحة فاستطابوا الكسل والدعة، ولم يأنفوا من تناول الصدقة، ولا من التعرض للسؤال. وقد كان لكل نبي معاش، ولجميع الصحابة، وخلفوا أموالا كثيرة. فافهم هذا الأصل، ولا تلتفت إلى كلام الجهال.