→ فصل: ابتلاء العارف مزيد من الكمال | صيد الخاطر فصل: الحزم أولى ابن الجوزي |
فصل: البعد عن أسباب الفتنة ← |
فصل: الحزم أولى
تراعنت علي نفسي في طلبها شيئا من أغراضها بتأويل فاسد، فقلت لها: بالله عليك تصبري، فإن في المعبر شغلا يحذر الغرق من كثرة الموج عن التنزه في عجائب البحر. إذا هممت بفعل فقدري حصوله، ثم تلمحي عواقبه، وما تجتنين من ثمراته، فأقل ذلك الندم على ما فعلت، ولا يؤمن أن يثمر غضب الحق عز وجل، وإعراضه عنك، فأف للقاطع عنه ولو كان الجنة. ثم اعلمي أيتها النفس أنه ما يمضي شيء جزافا، وأن ميزان العدل تبين فيه الذرة، فتلمحي الأموات والأحياء، وانظري إلى من نشر ذكره بالخير والشر، وزيادة ذلك ونقصانه. فسبحان من أظهر دليل الخلوات على أربابها، حتى أن حبات القلوب تتعلق بأهل الخير، وتنفر من أهل الشر من غير مطالعة لشيء من أعمال الكل. قال إبليس: أو تترك مرادك لأجل الخلق؟ قلت: لا، إنما هذا بعض الثمرات الحاصلة لا عن الغرض. ونحن نرى من يمشي ثلاثين فرسخا ليقال ساع، فالمتقي قد نال شرف الذكر وإن لم يقصد نيل ذلك مترجحا له في وزن الجزاء سيجعل لهم الرحمن ودا. النفس: لقد أمرتني بالصبر على العذاب،لأن ترك الأغراض عذاب. قلت: لك عن الغرض عوض، ومن كل متروك بدل، وأنت في مقام مستعبد ولا يصح للأجير أن يلبس ثياب الراحة في زمان الإستئجار، وكل زمان المتقي نهار صوم. ومن خاف العقاب ترك المشتهى، ومن رام القرب إستعمل الورع، وللصبر حلاوة تبين في العواقب.