→ فصل: سكرة الهوى حجاب | صيد الخاطر فصل: البلاء على قدر الرجال ابن الجوزي |
فصل: مع العدل والأنصاف تأتي كل مراد ← |
فصل: البلاء على قدر الرجال
البلايا على مقادير الرجال. فكثير من الناس تراهم ساكتين راضين بما عندهم من دين ودنيا. وأولئك قوم لم يرادوا لمقاسات الصبر الرفيعة، أو علم ضعفهم عن مقاومة البلاء فلطف بهم. إنما المحنة العظمى أن ترزق همة عالية لا تقنع منك إلا بتحقيق الورع وتجويد الدين، وكمال العلم، ثم تبتلي بنفس تميل إلى المباحات، وتدعي أنها تجمع بذلك همها، وتشفي مرضها، لتقبل مزاحمة العلة على تحصيل الفضائل. وهاتان الحالتان كضدين، لأن الدنيا والآخرة ضربتان. واللازم في هذا المقام مراعات الواجبات، وألا يفسح للنفس في مباح لا يؤمن أن يتعدى منه إعراض عن واجب ورع. المبتلي يصيح، فلأن يبكي الطفل خير من أن يبكي الولد. واعلم أن فتح باب المباحات ربما جر أذى كثير في الدين فأوثق السكر قبل فتح الماء، والبس الدرع قبل لقاء الحرب، وتلمح عواقب ما تجني قبل تحريك اليد واستظهر في الحذر باجتناب ما يخاف منه وإن لم يتيقن.