→ فصل: لا يصح الدين مع تحصيل الملذات | صيد الخاطر فصل: التفاوت بين العلماء في الأصول والفروع ابن الجوزي |
فصل: اللذات مشوبة بالمنغصات ← |
فصل: التفاوت بين العلماء في الأصول والفروع
ما أكثر تفاوت الناس في الفهوم، حتى العلماء يتفاوتون التفاوت الكثير في الأصول والفروع. ترى أقواما يسمعون أخبار الصفات فيحملونها على ما يقتضيه الحس كقول قائلهم: ينزل بذاته إلى السماء وينتقل. وهذا فهم رديء لأن المنتقل يكون من مكان إلى مكان، ويوجب ذلك كون المكان أكثر منه ويلزم منه الحركة وكل ذلك محال على الحق عز وجل. وأما في الفروع فكما يروى عن داود أنه في قوله ﷺ لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه. فقال: إن بال غيره جاز. فما يفهم المراد من التنجيس بل يأخذ بمجرد اللفظ. وكذلك يقول: لحم الخنزير حرام لا جلده. نعوذ بالله من سوء الفهم. وكذلك يتفاوت الشعراء الذين شغلهم التفطن لدقائق الأحوال كقول قائلهم:
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
والجفنات عدد يسير. فلو قال: الجفان لكان أبلغ، ولو قال: بالدجى لكان أحسن، ويقطرن دليل على القلة. وكذلك قول القائل:
همها العطر والفراش ويعلو ها لجين منظم ولآلى
وهذا قاصر، فإنه لو فعلت هذا سوداء لحسنها. إنما المادح هو القائل:
ألم ترى أني كلما جئت طارقا وجدت بها طيبا وإن لم تطيب
وكذا قول القائل:
أدعو إلي هجرها قلبي فيتبعني حتى إذا قلت هذا صادق نزعا
ولو كان صادقا في المحبة لما كان له قلب يخاطبه. وإذا خاطبه في الهجر لم يوافقه. إنما المحب الصادق هو القائل:
يقولون لو عاتبت قلبك لا رعوى فقلت وهل للعاشقين قلوب
ومثل هذا إذا نوقش كثير. فأقل موجود في الناس الفهم والغوص على دقائق المعاني.