→ فصل: عجل بالتوبة من الذنوب | صيد الخاطر فصل: القوي سبب الخروج من كل غم ابن الجوزي |
فصل: الاستعداد ليوم الرحيل ← |
فصل: التقوى سبب الخروج من كل غم
ضاق بي أمر أوجب غما لا زما دائما، وأخذت أبالغ في الفكر في الخلاص من هذه الهموم بكل حيلة وبكل وجه. فما رأيت طريقا للخلاص، فعرضت لي هذه الآية: ومن يتق الله يجعل له مخرجا. فعلمت أن التقوى سبب للمخرج من كل غم. فما كان إلا أن هممت بتحقيق التقوى فوجدت المخرج. فلا ينبغي لمخلوق أن يتوكل أو يتسبب أو يتفكر إلا في طاعة الله تعالى وإمتثال أمره، فإن ذلك سبب لفتح كل مرتج. ثم أعجبه أن يكون من حيث لم يقدره المتفكر المحتال المدبر، كما قال عز وجل: ويرزقه من حيث لا يحتسب. ثم ينبغي للمتقي أن يعلم أن الله عز وجل كافيه فلا يعلق قلبه بالأسباب، فقد قال عز وجل: ومن يتوكل على الله فهو حسبه.
تدبير الحق خير من تدبيرك من العجب إلحالك في طلب أغراضك وكما زاد تعويقها زاد إلحاحك، وتنسى أنها قد تمنع لأحد أمرين، إما لمصلحتك فربما معجل أذى، وأما لذنوبك فإن صاحب الذنوب بعيد من الإجابة، فنظف طرق الإجابة من أوساخ المعاصي، وانظر فيما تطلبه هل هو لإصلاح دينك، أو لمجرد هواك؟ فإن كان للهوى المجرد، فاعلم أن من اللطف بك والرحمة لك تعويقة، وأنت في إلحاحك بمثابة الطفل يطلب ما يؤذيه، فيمنع رفقا به. وإن كان لصلاح دينك فربما كانت المصلحة تأخيره، أو كان صلاح الدين بعدمه. وفي الجملة تدبير الحق عز وجل لك خير من تدبيرك، وقد يمنعك ما تهوى إبتلاء ليبلو صبرك فأره الصبر الجميل تر عن قرب ما يسر. ومتى نظفت طرق الإجابة من أدران الذنوب، وصبرت على ما يقضيه لك، فكل ما يجري أصلح لك، عطاء كان أو منعا.