→ فصل: أصول الأشياء | صيد الخاطر فصل: للجاهل فائدة ابن الجوزي |
فصل: تحقيق القصد ← |
فصل: للجاهل فائدة
رأيت أكثرالخلق في وجودهم كالمعدومين، فمنهم من لا يعرف الخالق، ومنهم من يثبته على مقتضى حسه، ومنهم من لا يفهم المقصود من التكليف. فترى المتوسمين بالزهد يدأبون في القيام والقعود، ويتركون الشهوات وينسون ما قد أنسوا به من شهوة الشهرة، وتقبيل الأيادي. ولو كلم أحدهم لقال: ألمثلي يقال هذا؟ ومن فلان الفاسق؟ فهؤلاء لا يفهمون المقصود، وكذلك كثير من العلماء في احتقارهم غيرهم، والتكبر في نفوسهم. فتعجبت كيف يصلح هؤلاء لمجاورة الحق، وسكنى الجنة.؟ فرأيت أن الفائدة في وجودهم في الدنيا، تجانس الفائدة في دخولهم الجنة فإنهم في الدنيا بين معتبر به، يعرف عارف الله سبحانه نعمة الله عليه، بما كشف له مما غطى عن ذلك، [ ويتم النظام بالإقتداء تصور أولئك ].فإن العارف لا يتسع وقته لمخالطة من يقف مع الصور، فالزاهد كراعي البهم، والعلم كمؤدب الصبيان، والعارف كملقن الحكمة. ولولا نفاط الملك وحارسه، ووقاد أتونه، ما تم عيشه. فمن تمام عيش العارف استعمال أولئك بحسبهم، فإذا وصلوا إليه حرر مانعهم، وفيهم من لا يصل إليه، فيكون وجود أولئك كزيادة ـ لا ـ في الكلام. هي حشو، وهي مؤكدة. فإن قال قائل: فهب هذا يصح في الدنيا. فكيف في الجنة؟ والجواب: أن الأنس بالجيران مطلوب، ورؤية القاصر من تمام لذة الكامل، ولكل شرب. ومن تأمل ما أشرب إليه، كفاه رمز لفظي عن تطويل الشرح.