→ فصل: اليد العليا خير من اليد السفلى | صيد الخاطر فصل: التفكر في خلق الله ابن الجوزي |
فصل: البلاء والصبر ← |
فصل: التفكر في خلق الله
عرض لي في طريق الحج من العرب، فسرنا على طريق خبير، فرأيت من الجبال الهائلة والطرق العجيبة ما أذهلني، وزادت عظمة الخالق عز وجل في صدري فصار يعرض لي عند ذكر تلك الطرق نوع تعظيم لا أجد عند ذكر غيرها. فصحت بالنفس: ويحك أعبري إلى البحر وأنظري إليه وإلى عجائبه بعين الفكر، تشاهدي أهوالا هي أعظم من هذه، ثم أخرجي إلى الكون والتفتي إليه فإنك ترينه بالإضافة إلى السماوات والأفلاك كذرة فيفلاة. ثم جولي في الأفلاك وطوفي حول العرش وتلمحي ما في الجنان والنيران، ثم أخرجي عن الكل وإلتفتي إليه، فإنك تشاهدين العالم في قبضة القادر الذي لا تقف قدرته عند حد. ثم إلتفي إليك فتلمحي بدايتك ونهايتك، وتفكري فيما قبل البداية، وليس إلا العدم، وفيما بعد البلى وليس إلا التراب. فكيف يأنس بهذا الوجود من نظر بعين فكره المبدأ والمنتهي؟ وكيف يغفل أرباب القلوب عن ذكر هذا الإله العظيم؟ با الله لو صحت النفوس عن سكر هواها، لذابت من خوفه، أو لغابت في حبه. غير أن الحس غلب فعظمت قدرة الخالق عند رؤية جبل، وإن الفطنة لو تلمحت المعاني لدلت القدرة عليه أوفى من دليل الجبل. سبحان من شغل أكثر الخلق بما هم فيه عما خلقوا له، سبحانه.