→ فصل: الغضب غلبة من الشيطان | صيد الخاطر فصل: الحذر من الحديث عن الناس ابن الجوزي |
فصل: لا تسوف في التوبة ← |
فصل: الحذر من الحديث عن الناس
ليس في الدنيا أكثر بلاهة ممن يسئ إلى شخص ويعلم أنه قد بلغ إلى قلبه بالأذى ثم يصطلحان في الظاهر، فيعلم أن ذلك الأثر محي بالصلح. وخصوصا مع الملوك، فإن لذتهم الكبرى ألا يرتفع عليهم أحد، ولا ينكر لهم غرض، فإذا جرى شيء من ذلك لم ينجبر. واعتبر هذا بأبي مسلم الخراساني، فإنه غض من قدر المنصور قبل ولايته فحصل ذلك في نفسه فقتله. ومن نظر في التواريخ رأى جماعة قد جرى لهم مثل هذا. ولا ينبغي لمن أساء إلى ذي سلطان لأن يقع في يده، فإنه إذا رام التخلص لم يقدر. فيبقى ندمه على ترك احترازه، وحسرته على مساكنة الضمان للسلامة، أشد عليه من كل ما يلقى به من الهوان والأذى. ومن هذا الجنس الأصدقاء المتماثلون، فإنك متى آذيت شخصا وبلغ إلى قلبه أذاك فلا تثق بمودته، فإن أذاك نصب عينه، فإن لم يحتل عليك لم يصف لك. ولا تخالط إلا من أنعمت عليه فحسب، فهو لم ير منك إلا خيرا، فيكون في نفسه، وكذلك الولد والزوجة والمعاملون. ويلحق بهذا أن أقول: لا ينبغي أن تعادي أحدا ولا تتكلم في حقه، فربما صارت له دولة فاشتفى. وربما احتيج إليه فلم يقدر عليه. فالعاقل يصور نفسه كل ممكن، ويستر ما في قلبه من البغض والود، ويداري مع الغيظ والحقد، هذه مشاورة العقل إن قبلت.