→ فصل: الدنيا لم تخلق للتنعيم | صيد الخاطر فصل: افتح عين الفكر في ضوء العبر ابن الجوزي |
فصل: بدع أدخلت على الدين ← |
فصل: افتح عين الفكر في ضوء العبر
رأيت جماعة من الخلق يتعللون بالأقدار، فيقول قائلهم: إن وقفت فعلت، وهذا تعلل بادر، ودفع للأمر بالراح. وهو يشير إلى رد أقوال الأنبياء والشرائع جميعها. فإنه لو قال كافر للرسول: إن وفقتني أسلمت. لم يجبه إلا بضرب العنق. وهذا جنس قول الناس لعلي رضي الله عنه: ندعوك إلى كتاب الله، فقال: كلمة حق أريد بها باطل. وكذلك قول الممتنعين عن الصدقة أنطعم من لو يشاء الله أطعمه. ولعمري إن التوفيق أصل الفعل، ولكن التوفيق أرم خفي. والخطاب بالفعل أمر جلي. فلا ينبغي أن يتشاغل عن الجلي بذكر الخفي. ومما يقطع هذا الإحتجاج أن يقال لهذا القائل: إن الله سبحانه لم يكلفك شيئا إلا وعندك أدوات ذلك الفعل، ولك قدرة عليه. فإن كانت القدرة عليه معدومة والأدوات غير محلصة فلا أمر ولا تكليف، وإن كنت تسعى بتلك الأدوات في تحصيل غرضك وهوالك، فاسع بها في إقامة مفروضك. مثل ذلك: أنك تسافر في طلب الربح، وتسأل الحج فلا تفعل، ويثقل عليك الإنتباه بالليل. فلو أردت الخروج إلى العيد انتبهت سحرا. وتقف في بعض أغراضك مع صديق تحادثت ساعات، فإذا وقفت في الصلاة استعجلت وثقل عليك. فإياك إياك أن تتعلق بأمر لا حجة لك فيه. ثم من نصيبك ينقص، ومن حظك يضيع، فإنما تحرك لك، وإنما تحرض لنفعك، فبار فإنك مبادر بك. ومما يزيل كسلك ـ إن تأملته ـ أن تتخايل ثواب المجتهدين وقد فاتك. ويكفي ذلك في توبيخ المقصر إن كانت له نفس. فأما الميت الهمة، فما لجرح بميت إيلام. كيف بك إذا قمت من قبرك وقد قربت نجائب النجاة لأقوام وتعثرت، وأسرعت أقدام الصالحين على الصراط وتخبطت؟ هيهات، ذهبت حلاوة البطالة، وبقيت مرارة الأسف، ونضب ماء كأس الكسل، وبقي رسوب الندامة. ما قدر البقاء في الدنيا بالإضافة إلى دوام الآخرة؟ ثم ما قدر عمرك في الدنيا ونصفه نوم، وباقية غفلة؟ فيا خاطبا حرر الجنة وهو لا يملك فلسا من عزيمة، افتح عين الفكر في ضوء العبر، لعلك تبصر مواقع خطابك. فإن رأيت تثبيطا من الباطن فاستغث بعون اللطف، وتنبه في الأسحار لعلك تتلمح ركب الأرباح، وتعلق على قطار المستغفرين ولو خطوات، وانزل في رباع المجتهدين ولو منزلا أي منزل.