→ فصل: أتبع السيئة الحسنة تمحها | صيد الخاطر فصل: معرفة الخالق بالدليل واجبة ابن الجوزي |
فصل: الحذر من الإفراط في إظهار النعم ← |
فصل: معرفة الخالق بالدليل واجبة
اعلم أن الآدمي قد خلق لأمر عظيم... وهو مطالب بمعرفة خالقه بالدليل، ولا يكفيه التقليد. وذلك يفتقر إلى جمع الهم في طلبه. وهو مطالب بإقامة المفروضات، واجتناب المحارم. فإن سمت همته إلى طلب العلم احتاج إلى زيادة جمع الهم. فأسعد الناس من له قوت دار بقدر الكفاية، لا من منن الناس وصدقاتهم وقد قنع به. وأما إذا لم يكن له قوت يكفي فالهم الذي يريد اجتماعه في تلك الأمور يتشتت ويصير طالبا للتحليل في جمع القوت. فيذهب العمر في تحصيل قوت البدن الذي يريد من بقائه غير بقائه، ويفوت المقصود ببقائه، وربما احتاج إلى الأنذال، قال الشاعر:
حسبي من الدهر ما كفاني يصون عرضي عن الهوان
مخافة أن يقول قوم فضل فلان على فلان
فينبغي للعاقل أن إذا رق قوتا أو كان له موار أن يحفظها ليجتمع همه ولا ينبغي أن يبذر في ذلك فإنه يحتاج فيتشتت همه. والنفس إذا أحرزت قوتها اطمأنت، فإن لم يكن له مال اكتسب بقدر كفايته، وقلل الغلو ليجتمع بين همه وضرورته. وليقنع بالقليل، فإنه متى سمت همته إلى فضول المال وقع المحذور من التشتت، لأن التشتت في الأول للعدم، وهذا التشتت يكون للحرص على الفضول فيذهب العمر على البارد:
ومن ينفق الأيام في حفظ ماله مخافة فقر فالذي فعل الفقر
فافهم هذا يا صاحب الهمة تفي طلب الفضائل، فإنك ما لم تعزل قوت الصبيان شتتوا قلبك، وطبعك طفل. ففرغ همك من استعانته. واعرف قدر شرف المال أوجب جمع همك، وصان عرضك عن الخلق. وإياك أن يحملك الكرم على فرط الإخراج، فتصير كالفقير المتعرض لك بالتعرض لغيرك. وفي الحديث أن رجلا أتى رسول الله ﷺ فرأى عليه آثار الفقر، فعرض به فأعطى شيئا. فجاءه فقير آخر فآثره الأول ببعض ما أعطى فرماه النبي ﷺ، ونهاه عن مثل ذلك. القناعة بما يكفي، وترك التشوف إلى الفضول أصل الأصول. ولما آيس الإمام أحمد بن حنبل نفسه من قبول الهدايا والصلات اجتمع همه، وحسن ذكره، لما أطعمها ابن المديني وغيره سقط ذكره. ثم فيمن. إنما هو سلطان جائر، أو منرك منان؟ أو صديق مدل بما يعطي والعز ألذ من كل لذة، والخروج عن ربقة المنن ولو بسف التراب أفضل.