→ فصل: لا يغني حذر عن قدر | صيد الخاطر فصل: اللذات الحسية ابن الجوزي |
فصل: فضل الإعادة والحفظ ← |
فصل: اللذات الحسية
تأملت خصومات الملوك، وحرص التجار، ونفاق المتوهدين، فوجدت جمهور ذلك على لذات الحس. وإذا تفكر العاقل في ذلك علم أن أمر الحسيات قريب يندفع بأقل شيء، وأن الغاية منه لا يمكن نيلها. وإن بالغ عاد بالأذى على نفسه أضعاف ما ناله من اللذة، كمن يأكل كثيرا أو ينكح كثيرا. فالسعيد من إهتم لحفظ دينه، وأخذ من ذلك بمقدار الحاجة. واعجبا، هذا الملبوس إذا كان وسطا خدم، وإذا كان مرتفعا خدم. فإن نظر اللابس إليه معجبا به، فإن الله لا ينظر إليه حينئذ. وفي الصحيح: بينا رجل يتبختر في بردته خسف به. والمشروب إن كان حراما، فعقابه أضعاف لذته. وهتكه العرض بين الناس عقاب آخر. وإن كان مباحا، فالشره فيه يؤذي البدن. وأما المنكوح فمداراة المستحسن يؤذي كل أذى. ومقاساة المستقبح أشد أذى. فعليك بالتوسط. وتفكر في أحوال السلاطين كم قتلوا ظلما، وكم ارتكبوا حراما؟ وما نالوا إلا يسيرا من لذات الحس. فإنقشع غيم العمر عن حسرات الفضائل وحصول العقاب. فليس في الدنيا أطيب عيشا من منفرد عن العالم بالعلم، فهو أنيسه وجليسه قد قنع بما سلم به دينه من المباحات الحاصلة، لا عن تكلف ولا تضييع دين، وارتدى بالعز عن الذل للدنيا وأهلها، والتحف بالقناعة بالسير، إذ لم يقدر على الكثير، فوجدته يسلم دينه ودنياه. وإشتغاله بالعلم يدله على الفضائل، ويفرحه في البساتين، فهو يسلم من الشيطان والسلطان والعوام بالعزلة. ولكن لا يصلح هذا إلا للعالم، فإنه إذا إعتزل الجاهل فاته العلم فتخبط.