→ فصل: في التسليم يظهر جواهر الرجال | صيد الخاطر فصل: الله ينظر كيف تعملون ابن الجوزي |
فصل: العجماوات خير من علماء يعبدون المال ← |
فصل: الله ينظر كيف تعملون
من الابتلاء العظيم إقامة الرجل في غير مقامه. مثل أن يحوج الرجل الصالح إلى مداراة الظالم والتردد إليه، وإلى مخالطة من لا يصلح، وإلى أعمال لا تليق به، أو إلى أمور تقطع عليه مراده الذي يؤثره. مثل أن يقال للعالم: تردد على الأمير وإلا خفنا عليك سطوته، فيتردد فيرى ما لا يصلح له ولا يمكنه أن ينكر. أو يحتاج إلى شيء من الدنيا وقد منع حقه، فيحتاج أن يعرض بذكر ذلك، أو يصرح لينال بعض حقه، ويحتاج إلى مداراة من تصعب مداراته، بل تتشتت همته لتلك الضرورات. وكذلك يفتقر إلى الدخول في أمور لا تليق به مثل أن يحتاج إلى الكسب فيتردد إلى السوق أو يخدم من يعطيه أجرته. وهذا لا يحتمله قلب المراقب لله سبحانه لأجل ما يخالطه من الأكدار. أو يكون له عائلة وهو فقير فيتفكر في إغنائهم، فيدخل في مداخل كلها عنده عظيم. وقد يبتلى بفقد من يحب، أو ببلاء في بدنه، وبعكس أغراضه وتسليط معاديه عليه فيرى الفاسق يقهره. والظالم يذله. وكل هذه الأشياء إلا التسليم واللجأ إلى القدر في الفرج. فيرى الرجل المؤمن الحازم يثبت لهذه العظائم، ولا يتغير قلبه، ولا ينطق بالشكوى لسانه. أو ليس الرسول ﷺ يحتاج أن يقول: من يؤويني من ينصرني؟ ويفتقر إلى أن يدخل مكة في جواز كافر؟ ويشق السلي على ظهره، وتقتل أصحابه ويداري المؤلفة، ويشتد جوعه وهو ساكن لا يتغير؟ وما ذاك إلا أنه علم أن الدنيا دار ابتلاء، لينظر الله فيها كيف تعملون. ومما يهون هذه الأشياء علم العبد بالأجر، وأن ذلك مراد الحق.
فما لجرح إذا أرضاكم ألم