→ فصل: التفاوت بين العلماء في الأصول والفروع | صيد الخاطر فصل: اللذات مشوبة بالمنغصات ابن الجوزي |
فصل: عليكم بالكتاب والسنة ترشدوا ← |
فصل: اللذات مشوبة بالمنغصات
من تأمل الدنيا علم أنه ليس فيها لذة أصلا، فإن وجدت لذة شيبت بالنغص التي تزيد على اللذة أضعافا. فمن اللذات النساء. فربما يثبت المستحسنة، وربما لم تحب الزوج، فمتى علم ذلك يعزل عنها، وربما خانت، وذلك الهلاك. فإن تمت المرادات فذكر الفراق زائد في التألم على الالذاذ. ومن اللذات الولد ومقاساة البنت إلى أن تتزوج، وما تلفى من زوجها وخوف عارها محن قبيحة. والابن إن مرض ذاب الفؤاد وإن خرج عن حد الصلاح زاد الأسف، وإن كان عدوا فمراده هلاك الأب، ثم إن تم المراد فذكر فراقه يذيب القلوب. ولو أن فاسقا أحب بعض المردان انهتك عرضه في الدنيا وذهب دينه. ثم لا يلبث أن تتغير حيلته، فيصبر مبغوضا مع ما سبق الهتكة والإثم. وكم قد غلبت شهوة رجل وطىء الجواري السود فجاء الولد أسود، فبقي عارا عليه. ومن هذا الجنس الالتذاذ بالمال، وفي تحصيله آثام، وفراقه حسرة، وذهاب العمر فيه غبن. وهذا أنموذج لما لم يذكر فينبغي لمن وفقه الله سبحانه أن يأخذ الضروري الذي يميل إلى سلامة الدين والبدن والعافية، ويهجر الهوى الذي نغصه تتضاعف على لذته. ومن صبر على ما يكره قصد النفع في العافية إلتذ أضعافا، كطالب العلم فإنه بتعب يسيرا وينال خير الدارين مع سلامة العاقبة. ولذة البطالة تعقب عدم العلم والعمل، فيزيد الأسى على اللذة أضعافا. فالله الله أن يغلبك هواك العاجل، ومتى هم الهوى بالتوبة فامنعه وزن عاجله بآجله. وما يتذكر إلا أولو الألباب.