→ فصل: الله ينظر كيف تعملون | صيد الخاطر فصل: العجماوات خير من علماء يعبدون المال ابن الجوزي |
فصل: أنفس الأشياء معرفة الله ← |
فصل: العجماوات خير من علماء يعبدون المال
لا ينكر أن الطباع تحب المال، لأنه سبب بقاء الأبدان، لكنه يزيد حبه في بعض القلوب حتى يصير محبوبا لذاته لا للتواصل به إلى المقاصد. فترى البخيل يحمل على نفسه العجائب، ويمنعها اللذات وتصبر لذاته في جمع المال. وهذا جبلة في خلق كثير. وليس العجب أن تكون في الجهال وينبغي أن يؤثر فيها عند العلماء المجاهدة للطبع ومخالفته، خصوصا في الأفعال اللازمة في المال. فأما أن يكون العالم جامعا للمال من وجوه قبيحة ومن شبهات قوية وبحرص شديد وبذل في الطالب، ثم يأخذ من الزكوات ولا تحل له مع الغنى، ثم يدخره ولا ينفع به، فهذه بهيمية تخرج من صفات الآدمية. بل البهيمية أعذر، لأنها بالرياضة تتغير طباعها، وهؤلاء ما غيرهم رياضة، ولا أفادهم العلم. ولقد كان أبو الحسن البسطامي مقيما في رباط البسطامي الذي على نهر عيسى، وكان لا يلبس إلا الصوف شتاء وصيفا، وكان يحترم ويقصد، فخلف مالا يزيد على أربعة الآف دينار. ورأينا بعض أشياخنا وقد بلغ الثمانين وليس له أهل ولا ولد، وقد مرض فألقى نفسه عند بعض أصدقائه يتكلف له ذلك الرجل ما يشتهيه وما يشفيه، فمات فخلف أموالا عظيمة. ورأينا صدقة بن الحسين الناسخ، وكان على الدوام يذم الزمان وأهله، ويبالغ في الطلب من الناس ويتجفف وهو في المسجد وحده ليس له من يقوم بأمره، فمات فخلف فيما قيل ثلاث مائة دينار. وكان يصحبنا أبو طالب بن المؤيد الصوفي، وكان يجمع المال، فسرق منه نحو مائة دينار، فتلهف عليها وكان ذلك سبب هلاكه. ومن أحوال الناس أنك ترى أقواما جلسوا على صفة القوم يطلبون الفتوح فيأتهم منها الكثير الذي يصيرون به من الأغنياء، وهم لا يمتنعون من أخذ زكاة ولا من طلب. وكذلك القصاص، يخرجون إلى البلاد ويطلبون، فيحصل لهم المال الكثير، فلا يتركون الطلب عادة. فيا سبحان الله.. أي شيء أفاد العلم. بل الجهل كان لهؤلاء أعذر. ومن أقبح أحوالهم لزومهم الأسباب التي تجلب لهم الدنيا من التخاشع والتنسك في الظاهر، وملازمة حث العزلة عن المخالطة، وكل هؤلاء بمعزل عن الشرع. ولقد تأملت على بعضهم من القدح في نظيره إلى أن يبلغ به إلى التعرض به للهلاك. فالويل لهم، ما أقل ما يتمتعون بظواهر الدنيا، وإن كان مقلب القلوب قد صرف القلوب عن محبتهم، لأن الحق عز وجل لا يميل بالقلوب إلا إلى المخلصين. فقد فاتتهم الدنيا على الحقيقة، وما حصلوا إلا صورة الحطام. نسأل الله عز وجل عقلا يدبر دنيانا، ويحصل لنا آخرتنا، والرزاق قادر.