→ فصل: الاشتغال بخدمة الخالق | صيد الخاطر فصل: العاقل من ينظر إلى نفسه ابن الجوزي |
فصل: في جحود الإنسان ← |
فصل: العاقل من ينظر إلى نفسه
إني أعجب من عاقل يرى إستيلاء الموت على أقرانه وجيرانه كيف يطيب عيشه، خصوصا إذا غلت سنه. واعجبا لمن يرى الأفاعي تدب إليه وهو لا ينزعج. أما يرى الشيخ دبيب الموت في أعضائه، قد أخرج سكين القوى وأنزل متغشرم الضعف، وقلب السواد بياضا، ثم في كل يوم يزيد الناقص. ففي نظر العاقل إلى نفسه ما يشغله عن النظر إلى خراب الدنيا وفراق الإخوان، إن كان ذلك مزعجا. ولكن شغل من إحترق بيته بنقل متاعه يلهيه عن ذكر بيوت الجيران. إنه لمما يسلي عن الدنيا ويهون فراقها إستبدال المعارف بمن تكره. فقد رأينا أغنياء كانوا يؤثرون، وفقراء كانوا يصبرون، ومحاسبين لأنفسهم يتورعون فاستبدل السفهاء عن العقلاء، والبخلاء عن الكرماء. فيا سهولة الرحيل، لعل النفس تلقى من فقدت، فتلحق بمن أحبت.