→ فصل: الإنسان والملك | صيد الخاطر فصل: أصول الأشياء ابن الجوزي |
فصل: للجاهل فائدة ← |
فصل: أصول الأشياء
رأيت كثيرا من الخلق، وعالما من العلماء لا ينتهون عن البحث عن أصول الأشياء التي أمروا بعلم جلها من غير بحث عن حقائقها كالروح مثلا فالله تعالى سترها بقوله: قل الروح من أمر ربي فلم يقنعوا، وأخذوا يبحثون عن ما هيتها ولا يقعون بشيء، ولا يثبت لأحد منهم برهان على ما يدعيه، وكذلك العقل، فإنه موجود بلا شك، كما أن الروح موجودة بلا شك، كلاهما يعرف بآثاره لا بحقيقة ذاته. فإن قال قائل: فما سرفي كتم هذه الأشياء؟ قلت: لأن النفس ما تزال تترقى من حلة إلى حالة فلو اطلعت على هذه الأشياءلترقت إلى خالقها. فكان ستر ما دونه زيادة في تعظيمه، لأنه إذا كان بعض مخلوقاته يعلم جملة، فهو أجل وأعلى. ولو قال قائل: ما الصواعق؟ وما البرق؟ وما الزلازل؟ قلنا: شيء مزعج، ويكفي. والسر في ستر هذا لكشفت حقائقه، خف مقدار تعظيمه. ومن تلمح هذا الفصل علم أنه فصل عزيز، فإذا ثبت هذا في المخلوقات فالخالق أجل وأعلى. فينبغي أن يوقف على إثباته على دليل وجوده، ثم يستدل على جواز بعثه رسله، ثم تتلقى أوصافه من كتبه ورسله، ولا يزاد على ذلك. ولقد بحث خلق كثير عن صفاته بآرائهم، فعاد وبال ذلك عليهم.و إذا قلنا: إنه موجود، وعلمنا من كلامه أنه سميع، بصير، حي، قادر كفانا هذا في صفاته، ولا نخوض في شيء آخر. وكذلك نقول: متكلم القرآن كلامه، ولا نتكلف ما فوق ذلك. ولم يقل السلف: تلاوة ومتلو، وقراءة ومقروء، ولا قالوا: استوى على العرش بذاته، ولا قالوا: ينزل بذاته، بل أطلقوا ما ورد من غير زيادة. وهذه كلمات كالمثال، فقس عليها جميع الصفات، تفز سليما من تعطيل، متخلصا من تشبيه.