→ فصل: من خالط أوذي | صيد الخاطر فصل: لا تبادر بالمخاصمة ابن الجوزي |
فصل: الاستخارة من حسن المشاورة ← |
فصل: لا تبادر بالمخاصمة
من البله أن تبادر عدوا أو حسودا بالمخاصمة. وإنما ينبغي إن عرفت حاله أن تظهر له ما يوجب السلامة بينكما. إن اعتذر قلبت، وإن أخذ في الخصومة صفحت، وأريته أن الأمر قريب. ثم تبطن الحذر منه، فلا تثق به في حال، وتتجافاه باطنا مع إظهار المخالطة في الظاهر. فإذا أردت أن تؤذيه فأول ما تؤذيه به إصلاحك لنفسك واجتهادك في علاج ما يعرفك به. من أعظم العقوبة له العفو عنه الله. وإن بالغ في السب فبالغ في الصفح تنب عنك العوام في شتمه، ويحمدك العلماء على حلمك. وما تؤذيه به من ذلك وتورثه بعد الكمد ظاهرا وغيره في الباطن أضعاف وخيرا مما تؤذيه به من كلمة إذا قلتها له سمعت أضعافها. ثم بالخصومة تعلمه أنك عدوه فيأخذ الحذر ويبسط اللسان، وبالصفح يجهل مما في باطنك، فيمكنك حينئذ أن تشتفي منه. أما أن تلقاه بما يؤذي دينك هو الذي قد إشتفى منك. وما ظفر قط من ظفر به الإثم بل الصفح الجميل. وإنما يقع هذا ممن يرى أن تسليطه عليه إما عقوبة لذنب أو لرفع درجة بالإبتلاء فهو لا يرى الخصم وإنما يرى القدرة.