→ فصل: القوي سبب الخروج من كل غم | صيد الخاطر فصل: الاستعداد ليوم الرحيل ابن الجوزي |
فصل: أصلح ما بينك وبين الله ← |
فصل: الاستعداد ليوم الرحيل
يجب على من لا يدري متى يبغته الموت أن يكون مستعدا، ولا يغتر بالشباب والصحة، فإن أقل من يموت الأشياخ، وأكثر من يموت الشبان ولهذا يندر من يكبر، وقد أنشدوا: يعمر واحد فيغر قوما وينسى من يموت من الشباب ومن الإغترار طول الأمل، وما من آفة أعظم منه، فإنه لولا طول المل ما وقع إهمال أصلا. وإنما يقدم المعاصي ويؤخر التوبة لطول الأمل وتبادر الشهوات، وتنس الإنابة لطول الأمل. وإن لم تستطع قصر الأمل، فإعمل عمل قصير الأمل ولا تمس حتى تنظر فيما مضى من يومك، فإن رأيت زلة فامحها بتوبة. أو خرقا فارقعه بإستغفار، وإذا أصبحت فتأمل ما مضى في ليلك. وإياك والتسويف فإنه أكبر جنود إبليس: وخذ لك منك على مهله ومقبل عيشك لم يدبر وخف هجمة لا تقيل العثا ر وتطوي الورود على المصدر ومثل لنفسك أي الرعيل يضمك في حلبة المحشر ثم صور لنفسك قصر العمر، وكثرة الأشغال، وقوة الندم على التفرط عند الموت، وطول الحسرة على البدار بعد الفوت. وصبور ثواب الكاملين وأنت ناقص، والمجتهدين وأنت متكاسل، ولا تخل نفسك من موعظة تسمعها، وفكرة تحادثها بها، فإن النفس كالفرس المتشيطن إن أهملت لجامه لم تأمن أن يرمي بك. وقد والله دنستك أهواؤك، وضيعت عمرك. فالبدار في الصيانة، قبل تلف الباقي بالصبانة. فكم تعرقل في فخ الهوى جناح حازم، وكم وقع في بئر بوار مخمور. ولا حول ولا قوة إلا الله.