→ فصل: المؤمن والذنب | صيد الخاطر فصل: الغرور في العلم ابن الجوزي |
فصل: المن بالعبادة ← |
فصل: الغرور في العلم
أفضل الأشياء التزيد من العلم، فإنه من اقتصر على ما يعلمه فظنه كافيا استبد برأيه، وصار تعظيمه لنفسه مانعا له من الاستفادة. والمذاكرة تبين له خطأه، وربما كان معظما في النفوس فلم يتجاسر على الرد عليه. ولو أنه أظهر الاستفادة لأهديت إليه مساويه فعاد عنها. ولقد حكى ابن عقيل عن أبي المعالي الجويني أنه قال: [ إن الله تعالى يعلم جمل الأشياء ولا يعلم التفاصيل ]، ولا أدري أي شبهة وقعت، في وجه هذا المسكين حتى قال هذا. وكذلك أبا حامد حين قال: النزول التنقل، والاستواء مماسة ـ وكيف أصف هذا بالفقه، أو هذا بالزهد، وهو لا يدري ما يجوز على الله مما لا يجوز. ول أنه ترك تعظيم نفسه لرد صبيان الكتاب رأيه عليه، فبان له صدقهم. ومن هذا الفن أبو بكر بن مقسم: فإنه عمل كتاب الاحتجاج للقراء، فأتى فيه بفوائد، إلا أنه أفسد علمه بإجازته أن يقرأ بما لم يقرأ به، ثم تفاقم ذلك منه حتى أجاز ما يفسد المعنى، مثل قوله تعالى: فلما استيأسوا منه خلصوا. فقال: يصلح أن يقال هنا نجيا أي خلصوا كراما براد من السرقة. وهذا سوء فهم للقصة، فإن الذي نسب إلى السرقة فظهرت معه ما خلص، فما الذي ينفع خلاصهم؟ وإنما سيقت القصة ليبين أنهم انفردوا وتشاوروا فيما يصنعون، وكيف يرجعون إلى أبيهم وقد احتبس أخوهم. فأي وجه للنجاة ها هنا؟ ومن تأمل كتابه رأى فيه من هذا الجنس ما يزيد على الإحصاء من هذا الفن القبيح، ولو أنه أصغى إلىعلماء وقت، وترك تعظيم نفسه لبان له الصواب، غير أن إقتصار الرجل على علمه إذا مازجه نوع رؤية للنفس حبس عن إدراك الصواب نعوذ بالله من ذلك.