→ فصل: الزهد بلا إخلاص | صيد الخاطر فصل: ليس لك من الأمر شيء ابن الجوزي |
فصل: التعفف عن مال الحكام ← |
فصل: ليس لك من الأمر شيء
من الجهل أن يخفى على الإنسان مراد التكليف، فإنه موضوع على عكس الأغراض. فينبغي للعاقل أن يأنس بانعكاس الأغراض. فإن دعا وسأل بلوغ غرض تعبد الله بالدعاء. فإن أعطى مراده شكر، وإن لم ينل مراده فلا ينبغي أن يلح في الطلب، لأن الدنيا ليست لبلوغ الأغراض، وليقل لنفسه وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم. من أعظم الجهل أن يمتعض في باطنه لانعكاس أغراضه، وربما إعترض في الباطن، أو ربما قال: حصول غرضي لا يضر، ودعائي لم يستجب. وهذا كله دليل على جهله وقلة إيمانه وتسليمه للحكمة. ومن الذي حصل له غرض ثم لم يدرك؟ هذا آدم طاب عيشه في الجنة وأخرج منها. ونوح سأل في إبنه فلم يعط مراده. والخليل إبتلى بالنار. وإسماعيل بالذبح ويعقوب بفقد الولد. ويوسف بمجاهدة الهوى، وأيوب بالبلاء. وداود وسليمان بالفتنة، وجميع الأنبياء على هذا. وأما ما لقي نبينا محمد ﷺ من الجوع والأذى وكدر العيش فمعلوم. فالدنيا وضعت للبلاء، فينبغي للعاقل أن يوطن نفسه على الصبر، وأن يعلم أن ما حصل من المراد فلطف، وما لم يحصل فعلى أصل الخلق والجبلة للدنيا، كما قيل:
طبعت على كدر وأنت تريدها صفوا من الأقذاء والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار
وها هنا تتبين قوة الإيمان وضعفه، فليستعمل المؤمن من أدوية هذا المرض التسليم للمالك، والتحكيم لحكمته. وليقل. قد قيل لسيد الكل: ليس لك من الأمر شيء. ثم ليسل نفسه بأن المنع ليس عن بخل، وإنما هو لمصلحة لا يعلمها، وليؤجر الصابر عن أغراضه، وليعلم الله الذين سلموا ورضوا. وإن زمن الإبتلاء يسير، والأغراض مدخر تلقى بعد قليل، وكأنه بالظلمة قد إنجلت، وبفجر الأجر قد طلع. ومتى إرتقى فهمه إلى أن ما جرى مراد الحق سبحانه، إقتضى إيمانه أن يريد ما يريد، ويرضى بما يقدر، إذ لو لم يكن كذلك كان خارجا عن حقيقة العبودية في المعنى. وهذا أصل ينبغي أن يتأمل ويعمل عليه في كل غرض إنعكس.