→ فصل: خطر الإشتغل بعلم الكلام دون علم | صيد الخاطر فصل: ابتلاء العارف مزيد من الكمال ابن الجوزي |
فصل: الحزم أولى ← |
فصل: ابتلاء العارف مزيد من الكمال
، أعظم البلايا أن يعطيك همه عالية ويمنعك من العمل بمقتضاها، فيكون من تاثير همتك الأنفة من قبول إرفاق الخلق استثقالا لحمل مننهم، ثم يبتليك بالفقر فتأخذ منهم، ويلطف مزاجك، فلا تقبل من المأكولات ما سهل إحضاره فتحتاج إلى فضل نفقة، ثم يقلل رزقك ويعلق همتك بالمستحسنات، ويقطع بالفقر السبيل إليهن. ويريك العلوم في مقام معشوق، ويضعف بذلك عن الإعادة، ويخلي يديك من المال الذي تحصل به الكتب، ويقوي توقك إلى درجات العارفين والزهاد، ويحوجك إلى مخالطة أرباب الدنيا وهذا البلاء المبين. واما الخسيس الهمة الذي لا يستنكف من سؤال الخلق، ولا يرى الإستبدال بزوجته، ويكتفي بيسير من العلم، ولا يتوق إلى أحوال العارفين، فذاك لا يؤلمه فقد شيء، ويرى ما وجد هو الغاية، فهو يفرح فرح الأطفال بالزخارف، فما أهون الأمر عليه. إنما البلاء على العارف ذي الهمة العالية الذي تدعوه همته إلى جميع الأضداد للتزيد من مقام الكمال، وتقصر خطاه عن مدارك مقصودة. فيا له من حال ينفد في طريقه زاد الصابرين. ولولا حالات غفلة تعتري هذا المبتلي يعيش بها لكان دوام ملاحظته للمقامات يعمي بصره، واجتهاده في السلوك يخفي قدمه. لكن ملاحظات الإمداد له تارة ببلوغ بعض مراده، وتارة بالغفلة عما قصد، تهون عليه العيش. وهذا كلام عزيز لا يفهمه إلا أربابه، ولا يعلم كنهه إلا أصحابه.