→ فصل: اكبح جماع الرغبة | صيد الخاطر فصل: الاحتراز من جائز الوقوع ابن الجوزي |
فصل: لا تبحثوا في ذات الله ← |
فصل: الاحتراز من جائز الوقوع
أبله الناس من عمل على الحال الحاضرة، ولم يتصور تغيرها ولا وقوع ما يجوز وقوعه. مثاله أن يغتر بدولة فيعمل بمقتضى ملكه فإذا تغيرت هلك. وربما عادى خلقا اغترارا بأنه متسلط أو إنه صاحب سلطان، فإذا تغيرت حاله أكل كفه ندما عند فوات التدارك. وكذلك من له مال يبذره سكونا إلى وجود المال، وينسى حاله عند العدم. ومن يتناول الشهوات، ويكثر من المآكل والمشارب والنكاح ثقة بعافيته، وينسى ما يعقب ذلك من الأمراض والآفات. ومن أظرف الأحوال أن يحب جاريته فيعتقها ويهب لها، أو امرأة فيسكن إليها ويهب لها فتتمكن، ولا تمضي الأيام حتى يسلوها أو يطلب غيرها ولا يجد طريقا للخلاص. فإن تخلص منها أخذت منها ما غنمت منه فلقي من الغيظ أضعاف ما يلتذ به. فلا ينبغي أن يوثق بإمرأة ولا بمحبة إنسان، فإنه قد يحب إمرأة ويظن أنه لا يسلوها أبدا فيسترسل إليها والسلو يحدث. وربما أحب غيرها فينسى الأولى فيصعب عليه الخلاص من الأولى. فالعاقل لا يدخل في شيء حتى يهيء الخروج منه، فإن الأشياء لا تثبت، والمحبة لا تدوم، والتغير مقرون بكل حال. وكذلك يعطي ماله ولده ثم يبقى كلا عليه فيتمنى الولد هلاكه، وربما عل به في النفقة. وكذلك قد يثق بالصديق فيثبت أسراره إليه، فربما أظهر ذلك فكان منها ما يوجب هلاكه. وكذلك يغتر الإنسان بالسلامة وينسى طروق الموت فيأتيه بغتة فيبهته وقد فات الإستدراك ولم يبق إلا الندم. فالعاقل من كانت عينه مراقبة للعواقب، محترزة مما يجوز وقوعه، عاملة بالإحتياط في كل حال، حافظة للمال والسر، غير واثقة بزوجة ولا ولد ولا صديق، متأهبة للرحيل، متهيئة للنقلة. هذه صفة أهل الحزم.