→ فصل: التماس رضى الله وإن سخط الناس | صيد الخاطر فصل: الحذر واجب ابن الجوزي |
فصل: ملاطفة الأعداء حتى التمكن منهم ← |
فصل: الحذر واجب
ينبغي للعاقل أن ينظر إلى الأصول فيمن يخالطه ويعاشره ويشاركه ويصادقه ويزوجه أو يتزوج إليه. ثم ينظر بعد ذلك في الصور، فإن صلاحها دليل على صلاح الباطن. أما الأصول فإن الشيء يرجع إلى أصله، وبعيد ممن لا أصل له أن يكون فيه معنى مستحسن. إن المرأة الحسناء إذا كانت من بيت رديء فقل إن تكون صينة، وكذلك أيضا المخالط والصديق والمباضع والمعاشر. فإياك أن تخالط إلا من له أصل يخاف عليه الدنس، فالغالب معه السلامة وإن وقع غير ذلك كان نادرا. وقد قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لرجل: أشر علي فيمن أستعمل. فقال: أما أرباب الدين فلا يريدونك أي لا يسألونك الرياسة، وأما أرباب الدنيا فلا تردهم، ولكن عليك بالأشراف، فإنهم يصونون شرفهم عما لا يصلح. وقد روى أبو بكر الصول ي قال: حدثني الحسين بن يحي عن إسحاق قال، دعاني المعتصم يوما فأدخلني معه الحمام، ثم خرج فخلا بي وقال: يا أبا إسحاق في نفسي شيء أريد أن أسألك عنه. إن أخي المأمون اصطنع قوما فأنجبوا، واصطفيت أنا مثلهم فلم ينجبوا. قلت ومن هم؟ قال: اصطنع طاهرا وابنه إسحاق وآل سهل فقد رأيت كيف هم. واصطنعت أنا الافشين فقد رأيت إلى ما آل أمره. وأسناش فلم أجده شيئا، وكذلك إيتاح ووصيف. قلت: يا أمير المؤمنين، ههنا جواب، على أمان من الغضب. قال: لك ذاك. قلت: نظر أخوك إلى الأصول فاستعملها فأنجبت فروعها، واستعملت فروعا لا أصول لها فلم تنجب. فقال: يا أبا إسحاق مقاساة ما مر بي طول هذه المدة أهون علي من هذا الجواب. أما الصور، فإنه متى صحت البينة ولم يكن فيها عيب فالغالب صحة الباطن وحسن الخلق، ومتى كان فيها عيب فالعيب في الباطن أيضا. فاحذر من به عاهة كالأقرع والأعمى وغير ذلك، فإن بواطنهم في الغالب ردية. ثم مع معرفة أصول المخالط، وكمال صورته لا بد من التجربة قبل المخالطة واستعمال الحذر لازم، وإن كان كما ينبغي.