→ فصل: في الفرق بين اللغة والنحو | صيد الخاطر فصل: تعجيل اللذة يفوت الفضائل ابن الجوزي |
فصل: الهمة تطلب الغايات ← |
فصل: تعجيل اللذة يفوت الفضائل
تدبرت أحوال الأخيار والأشرار فرأيت سبب صلاح الأخيار النظر، وسبب فساد الأشرار، إهمال النظر. وذاك أن العاقل ينظر فيعلم أنه لا بد من صانع، وأن طاعته لازمة، ويتأمل معجزات رسول الله ﷺ، فيسلم قياده إلى الشرع. ثم ينظر فيما يقربه إليه، ويزلفه إليه. فإذا شق عليه إعادة العلم، تأمل ثمرته، فسهل ذلك، وإذا صعب عليه قيام الليل، فكذلك. وإذا رأى مشتهى، تأمل عاقبته، فعلم أن اللذة تفنى، والعار والإثم يبقيان، فيسهل الترك. وإذا إشتهى الإنتقام ممن يؤذيه، وذكر ثواب الصبر، وندم الغضبان على أفعاله في حال الغضب. ثم لا يزال يتأمل سرعة ممر العمر فيغتنمه بتحصيل أفضل الفضائل فينال مناه. وأما الغافل، فإنه لا يرى إلا الشيء الحاضر. فمنهم من لم يتأمل في معنى المصنوع وإثبات الصانع، فجحدوا وتركوا النظر، وجحدوا الرسل وما جاءوا ونظروا إلى العاجل، ولم يتفكروا في مبدئه ومنتهاه. فليس عندهم من عرفان المطعم إلا الأكل. ولو تأملوا كيف أنشئ؟ ولماذا جعل حافظا للأبدان؟ لعرفوا حقائق الأمور. وكذلك كل شهوة تعرض لا ينظرون في عاقبتها، بل في عاجل لذتها. وكم قد جنت عليهم من وقوع حد، وقطع يد وفضيحة. فتعجيل اللذة يفوت الفضائل، ويحصل الرذائل. وسببه، عدم النظر في العواقب، وهذا شغل لعقل، وذاك المذموم، شغل الهوى. نسأل الله عز وجل، يقظة ترينا العواقب، وتكشف لنا الفضائل والمعائب إنه قادر على ذلك.