→ فصل: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها | صيد الخاطر فصل: أجود الأشياء قطع أسباب الفتن ابن الجوزي |
فصل: سكرة الهوى حجاب ← |
فصل: أجود الأشياء قطع أسباب الفتن
ما رأيت أعظم فتنة من مقاربة الفتنة، وقل أن يقاربها إلا من يقع فيها. ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه. قال بعض المعتبرين: قدرت مرة على لذة ظاهرها التحريم، وتحتمل الإباحة، إذ المر فيها مردد، فجاهدت النفس فقالت: أنت ما تقدر فلهذا تترك، فقارب المقدور عليه، فإذا تمكنت فتركت كنت تاركا حقيقة. ففعلت وتركت، ثم عاودت مرة أخرى في تأويل أرتني فيه الجواز، وإن كان الأمر يحتمل، فلما وافقتها أثر ذلك ظلمه في قلبي، لخوف أن يكون الأمر محرما، فرأيت أنها تارة تقوى علي بالترخص والتأويل، وتارة أقوى عليها بالمجاهدة والإمتناع. فإذا ترخصت لم آمن أن يكون ذلك المر محظورا، ثم أرى عاجلا تأثير ذلك الفعل في القلب فلما لم آمن عليها بالتأويل تفكرت في قطع طمعها من ذلك الأمر المؤثر، فلم أر ذلك إلا بأن قلت لها: قدري أن هذا الأمر مباح قطعا، فو الله لا إله إلا هو لا عدت إليه. فانقطع طمعها باليمين والمعاهدة. وهذا أبلغ دواء وجدته في امتناعها، لأن تأويلها لا يبلغ إلى أن تأمر بالحنث والتفكير. فأجود الأشياء قطع أسباب الفتن وترك الترخص فيما يجوز إذا كان حاملا ومؤديا إلى ما لا يجوز، الله الموفق.