→ فصل: السبب والمسبب | صيد الخاطر فصل: الإسلام نظافة ابن الجوزي |
فصل: خطر الرفاهية ← |
فصل: الإسلام نظافة
تلمحت على خلق كثير من الناس إهمال إبدانهم، فمنهم من لا ينظف فمه بالخلال بعد الأكل. ومنهم من لا ينفي يديه في غسلها من الزهم، ومنهم من لا يكاد يستاك، وفيهم من لا يكتحل، وفيهم من لا يراعي الإبط، إلى غير ذلك، فيعود هذا الإهمال بالخلل في الدين والدنيا. أما الدين فإنه قد أمر المؤمن بالتنظف والإغتسال للجمعة لأجل اجتماعه بالناس، ونهى عن دخول المسجد إذا أكل الثوم، وأمر الشرع بتنقية البراجم وقص الأظافر، والسواك، والإستحداد وغير ذلك من الآداب. فإذا أهمل ذلك ترك مسنون الشرع، وربما تعدى بعض ذلك إلى فساد العبادة، مثل أن يهمل أظفاره فيجمع تحته الوسخ المانع للماء في الوضوء أن يصل. وأما الدنيا فإني رأيت جماعة من المهملين أنفسهم، يتقدمون إلى السرار، والغفلة التي أوجبت إهمالهم أنفسهم، أوجبت جهلهم بالأذى الحادث عنهم. فإذا أخذوا في مناجاة السر، لم يمكن أن أصدف عنهم، لأنهم يقصدون السر، فألقى الشدائد من ريح أفواههم. ولعل أكثرهم من وقت انتباههم ما أمر أصبعه على أسنانه. ثم يوجب مثل هذا نفور المرأة، وقد لا تستحسن ذكر ذلك للرجل، فيثمر ذلك التفافها عنه. وقد كان ابن عباس رضي الله عنها يقول: [ إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي ]. وفي الناس من يقول: هذا تصنع. وليس بشيء فإن الله تعالى زيننا لما خلقنا، لأن للعين حظا في النظر، ومن تأمل أهداب العين والحاجبين، وحسن ترتيب الخلقة، علم أن الله زين الأدمي. وقد كان النبي ﷺ أنظف الناس وأطيب الناس، وفي الحديث عنه يرفع يديه حتى تبين عفرة إبطيه، وكان ساقه ربما انكشفت فكأنهما جمارة. وكان لا يفارقه السواك، وكان يكره أن يشم منه ريح ليست طيبة. وفي حديث أنس الصحيح: [ ما شأنه الله ببيضاء ]. وقد قالت الحكماء: [ من نظف ثوبه قل همه، ومن طاب ريحه زاد عقله ]. وقال عليه الصلاة السلام لأصحابه: ما لكم تدخلون علي قلحا، استاكوا. وقد فضلت الصلاة بالسواك، على الصلاة بغير سواك، فالمتنظف ينعم نفسه، ويرفع منها عندها. وقد قال الحكماء: [ من طال ظفره قصرت يده، ثم إنه يقرب من قلوب الخلق، وتحبه النفوس، لنظافته وطيبه ]. وقد كان النبي ﷺ يحب الطيب. ثم إنه يؤنس الزوجة بتلك الحال. فإن النساء شقائق الرجال، فكما أنه يكره الشيء منها، فكذلك هي تكرهه، وربما صبر هو على ما يكره وهي لا تصبر. وقد رأيت جماعة يزعمون أنهم زهاد. وهم من أقذر الناس، وذلك أنهم ما قومهم العلم. وأما ما يحكى عن داود الطائي أنه قيل له: لو سرحت لحيتك، فقال: إني عنها مشغول. فهذا قول معتذر عن العمل بالسنة، والإخبار عن غيبته عن نفسه بشدة خوفه من الآخرة ولو كان مفيقا لذلك لم يتركه، فلا يحتج بحال المغلوبين. ومن تأمل خصائص الرسول ﷺ، رأى كاملا في العلم والعمل، فيه يكون الإقتداء وهو الحجة على الخلق.