→ مقدمة | صيد الخاطر فصل: تفاوت الناس في تقبل المواعظ ابن الجوزي |
فصل: جواذب النفس بين الدنيا والآخرة ← |
فصل: تفاوت الناس في تقبل المواعظ
قد يعرض عند سماع المواعظ للسامع يقظة، فإذا انفصل عن مجلس الذكر عادت القساوة والغفلة. فتدبرت السبب في ذلك فعرفته. ثم رأيت الناس يتفاوتون في ذلك، فالحالة العامة أن القلب لا يكون على صفته من اليقظه عند سماع الموعظة وبعدها، لسببين: أحدهما: أن المواعظ كالسياط، والسياط لا تؤلم بعد انقضائها إيلامها وقت وقوعها. والثاني: أن حالة سماع المواعظ يكون الإنسان فيها مزاح العلة، قد تخلى بجسمه وفكره عن أسباب الدنيا، وأنصت بحضور قلبه، فإذا عاد إلى الشواغل اجتذبته بآفاتها، وكيف يصح أن يكون كما كان؟. وهذه حالة تعم الخلق إلا أن أرباب اليقظة يتفاوتون في بقاء الأثر: فمنهم من يعزم بلا تردد، ويمضي من غير التفات، فلو توقف بهم ركب الطبع لضجوا، كما قال حنظلة عن نفسه: نافق حنظلة. ومنهم أقوام يميل بهم الطبع إلى الغفلة أحيانا، ويدعوهم ما تقدم من المواعظ إلى العمل أحيانا، فهم كالسنبلة تميلها الرياح. وأقوام لا يؤثر فيهم إلا بمقدار سماعه، كماء دحرجته على صفوان.