→ فصل: صفة العارف | صيد الخاطر فصل: لا قيمة للجنة مع إعراض الحبيب ابن الجوزي |
فصل: لا تنكر نور الشمس ونظرك ضعيف ← |
فصل: لا قيمة للجنة مع إعراض الحبيب
بالله عليك يا مرفوع القدر بالتقوى، لا تبع عزها بذل المعاصي. وصابر عطش الهوى في هجير المشتهى وإن أمض وأرمض. فإذا بلغت النهاية من الصبر فاحتكم وقل، فهو مقام من لو أقسم على الله لأبره. تالله لولا صبر عمر ما انبسطت يده يضرب الأرض بالدرة. ولولا جد أنس بن النضير في ترك هواه، وقد سمعت من آثار عزمته: [ لئن أشهدني الله مشهدا ليرين ما أصنع، فأقبل يوم أحد يقاتل حتى قتل فلم يعرف إلا ببنانه ]. فلولا هذا العزم ما كان إنبساط وجهه يوم حلف والله لا تكسر سن الربيع. بالله عليك تذوق حلاوة الكف عن المنهى، فإنها شجرة تثمر عز الدنيا وشرف الآخرة. ومتى اشتد عطشك إلى ما تهوى، فابسط أنامل الرجاء إلى من عنده الري الكامل. وقل قد عيل صبر الطبع في سنيه العجاف، فعجل لي العام الذي فيه أغاث وأعصر. بالله عليك تفكر فيمن قطع أكثر العمر في التقوى والطاعة ثم عرضت فتنة في الوقت الآخر، كيف نطح مركبه الجرف فغرق وقت الصعود. أف والله للدنيا، لابل للجنة إن أوجب نيلها إعراض الحبيب. إنما نسب العامي باسمه واسم أبيه، فأما ذوو الأقدار فالألقاب قبل الأنساب. قل لي: من أنت؟ وما عملك؟ وإلى أي مقام ارتفع قدرك؟ يا من لا يصبر لحظة عما يشتهي. بالله عليك أتدري من الرجل؟ الرجل والله من إذا خلا بما يحب من المحرم وقدر عليه وتقلقل عطشا إليه، نظر إلى نظر الحق إليه فاستحى من إجالة همه فيما يكرهه، فذهب العطش. كأنك لا تترك لنا إلا ما لا تشتهي، أو مالا تصدق الشهوة فيه، أو مالا تقدر عليه. كذا والله عادتك إذا تصدقت أعطيتك كسرة لا تصلح لك، أو في جماعة يمدحونك. هيهات والله ولا نلت ولايتنا حتى تكون معاملتك لنا خالصة. تبذل أطايبك. وتترك مشتهياتك، وتصبر على مكرهاتك. علما منك تدخر ثوابك لدينا إن كنت معاملا بأنك أجير وما غربت الشمس فإن كنت محبا رأيت ذلك قليلا في جنب رضى حبيبك عنك. وما كلامنا مع الثالث.....