→ فصل: نقد الصوفية | صيد الخاطر فصل: الإنسان والشهوة ابن الجوزي |
فصل: حقيقة الذهد ← |
فصل: الإنسان والشهوة
تأملت في شهوات الدنيا فرأيتها مصائد وهلاك، وفخوخ تلف. فمن قوي عقله على طبعه وحكم عليه سلم، ومن غلب طبعه فيا سرعة هلكته. ولقد رأيت بعض أبناء الدنيا كان يتوق إلى التسري. ثم يستعمل الحرارات المهيجة للباه، فما لبث أن انحلت حرارته الغريزية وتلف. ولم أر في شهوات النفس أسرع هلاكا من هذه الشهوة، فإنه كلما مال الإنسان إلى شخص مستحسن أوجب ذلك حركة الباه زائدا عن العادة. وإذا رأى أحسن منه زادت الحركة وكثر خروج المني زائدا عن الأول، فيفنى جوهر الحياة أسرع شيء. وبالضد من هذا أن تكون المرأة مستقبحة فلا يوجب نكاحها خروج الفضلة المؤذية كما ينبغي، فيقع التأذي بالاحتباس وقوة التوق إلى المنكوح. وكذلك المفرط في الأكل فإنه يجني على نفسه كثيرا من الجنايات، والمقصر في مقدار القوت كذلك، فعلمت أن أفضل الأمور أوسطها والدنيا مفازة فينبغي أن يكون السابق فيها العقل، فمن سلم زمام راحلته إلى طبعه وهواه، فيا عجلة تلفه ـ هذا فيما يتعلق بالبدن والدنيا ـ فقس عليه أمر الآخرة فافهم.