→ ثم دخلت سنة ثنتين وأربعين ومائة | البداية والنهاية – الجزء العاشر وعمرو بن عبيد القدري ابن كثير |
ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين ومائة ← |
في قول، وهو: عمرو بن عبيد بن ثوبان، ويقال: ابن كيسان، التيمي مولاهم، أبو عثمان البصري، من أبناء فارس، شيخ القدرية والمعتزلة.
روى الحديث عن: الحسن البصري، وعبيد الله بن أنس، وأبي العالية، وأبي قلابة.
وعنه: الحمادان، وسفيان بن عيينة، والأعمش - وكان من أقرانه -، وعبد الوارث بن سعيد، وهارون بن موسى، ويحيى القطان، ويزيد بن زريع.
قال الإمام أحمد بن حنبل: ليس بأهل أن يحدث عنه.
وقال علي بن المدنيي و يحيى بن معين: ليس بشيء، وزاد ابن معين وكان رجل سوء، وكان من الدهرية الذين يقولون: إنما الناس مثل الزرع.
وقال الفلاس: متروك صاحب بدعة.
كان يحيى القطان يحدثنا عنه ثم تركه، وكان ابن مهدي لا يحدث عنه.
وقال أبو حاتم: متروك.
وقال النسائي: ليس بثقة.
وقال شعبة، عن يونس بن عبيد: كان عمرو بن عبيد يكذب في الحديث.
وقال حماد بن سلمة: قال لي حميد: لا تأخذ عنه فإنه كان يكذب على الحسن البصري.
وكذا قال: أيوب، وعوف، وابن عون.
وقال أيوب: ما كنت أعدله عقلا.
وقال مطر الوراق: والله لا أصدقه في شيء.
وقال ابن المبارك: إنما تركوا حديثه لأنه كان يدعو إلى القدر.
وقد ضعفه غير واحد من أئمة الجرح والتعديل، وأثنى عليه آخرون في عبادته وزهده وتقشفه.
قال الحسن البصري: هذا سيد شباب القراء ما لم يحدث.
قالوا: فأحدث والله أشد الحدث.
وقال ابن حبان: كان من أهل الورع والعبادة إلى أن أحدث ما أحدث، واعتزل مجلس الحسن هو وجماعة معه فسموا المعتزلة، وكان يشتم الصحابة ويكذب في الحديث، وهما لا تعمدا.
وقد روي عنه أنه قال: إن كانت تبت يدا أبي لهب في اللوح المحفوظ فما تعد منه على ابن آدم حجة.
وروى له حديث ابن مسعود: حدثنا الصادق المصدوق: «أن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما».
حتى قال: «فيؤمر بأربع كلمات: رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد» إلى آخره.
فقال: لو سمعت الأعمش يرويه لكذبته، ولو سمعته من زيد بن وهب لما أحببته، ولو سمعته من ابن مسعود لما قبلته، ولو سمعته من رسول الله ﷺلرددته، ولو سمعت الله يقول هذا لقلت ما على هذا أخذت علينا الميثاق.
وهذا من أقبح الكفر، لعنه الله إن كان قال هذا، وإذا كان مكذوبا عليه فعلى من كذبه عليه ما يستحقه.
وقد قال عبد الله بن المبارك رحمه الله:
أيها الطالب علما * إيتِ حماد بن زيد
فخذ العلم بحلم * ثمَّ قيده بقيد
وذر البدعة من * آثار عمرو بن عبيد
وقال ابن عدي: كان عمرو يغر الناس بتقشفه، وهو مذموم ضعيف الحديث جدا، معلن بالبدع.
وقال الدار قطني: ضعيف الحديث.
وقال الخطيب البغدادي: جالس الحسن واشتهر بصحبته ثم أزاله واصل بن عطاء عن مذهب أهل السنة وقال بالقدر ودعا إليه، واعتزل أصحاب الحديث، وكان له سمت وإظهار زهد.
وقد قيل: أنه وواصل بن عطاء ولدا سنة ثمانين، وحكى البخاري: أن عمرا مات سنة ثنتين وثلاث وأربعين ومائة بطريق مكة، وقد كان عمرو محظيا عند أبي جعفر المنصور، كان المنصور يحبه ويعظمه، لأنه كان يفد المنصور مع القراء فيعطيهم المنصور فيأخذون، ولا يأخذ عمرو منه شيئا، وكان يسأله أن يقبل كما يقبل أصحابه فلا يقبل منه، فكان ذلك مما يغر المنصور ويروج به عليه حاله، لأن المنصور كان بخيلا، وكان يعجبه ذلك منه وينشد:
كلكم يمشي رويد * كلكم يطلب صيدْ * غير عمرو بن عبيدْ
ولو تبصر المنصور لعلم أن كل واحد من أولئك القراء خير من ملء الأرض مثل عمرو بن عبيد، والزهد لا يدل على صلاح، فإن بعض الرهبان قد يكون عنده من الزهد ما لا يطيقه عمرو ولا كثير من المسلمين في زمانه.
وقد روينا عن إسماعيل بن خالد القعنبني، قال: رأيت الحسن بن جعفر في المنام بعد ما مات بعبادان فقال لي: أيوب ويونس وابن عون في الجنة.
قلت: فعمرو بن عبيد؟
قال: في النار.
ثم رآه مرة ثانية ويروى ثالثة، فيسأله فيقول له: مثل ذلك.
وقد رؤيت له منامات قبيحة، وقد أطال شيخنا في تهذيبه في ترجمته ولخصنا حاصلها في كتابنا التكميل، وأشرنا ههنا إلى نبذ من حاله ليعرف فلا يغتر به، والله أعلم.