→ حكاية غريبة | البداية والنهاية – الجزء العاشر الفضيل بن عياض ابن كثير |
وأبو شعيب البراثي ← |
أبو علي التميمي، أحد أئمة العباد الزهاد، وهو أحد العلماء والأولياء، ولد بخراسان بكورة دينور، وقدم الكوفة وهو كبير.
فسمع بها: الأعمش، ومنصور بن المعتمر، وعطاء بن السائب، وحصين بن عبد الرحمن، وغيرهم.
ثم انتقل إلى مكة فتعبد بها، وكان حسن التلاوة كثير الصلاة والصيام، وكان سيدا جليلا ثقةً من أئمة الرواية رحمه الله ورضي عنه.
وله مع الرشيد قصة طويلة، وقد روينا ذلك مطولا في كيفية دخول الرشيد عليه منزله، وما قال له الفضيل بن عياض، وعرض عليه الرشيد المال فأبى أن يقبل منه ذلك.
توفي بمكة في المحرم من هذه السنة.
وذكروا أنه كان شاطرا يقطع الطريق، وكان يتعشق جارية، فبينما هو ذات ليلة يتسور عليها جدارا إذ سمع قارئا يقرأ: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ } [الحديد: 16] .
فقال: بلى ! وتاب وأقلع عما كان عليه.
ورجع إلى خربة فبات بها، فسمع سفارا يقولون: خذوا حذركم إن فضيلا أمامكم يقطع الطريق، فأمنهم واستمر على توبته حتى كان منه ما كان من السيادة والعبادة والزهادة، ثم صار علما يقتدى به ويهتدى بكلامه وفعاله.
قال الفضيل: لو أن الدنيا كلها حلال لا أحاسب بها لكنت أتقذرها كما يتقذر أحدكم الجيفة إذا مر بها أن تصيب ثوبه.
وقال: العمل لأجل الناس شرك، وترك العمل لأجل الناس رياء، والإخلاص أن يعافيك الله منهما.
وقال له الرشيد يوما: ما أزهدك.
فقال: أنت أزهد مني لأني أنا زهدت في الدنيا التي هي أقل من جناح بعوضة، وأنت زهد في الآخرة التي لا قيمة لها، فأنا زاهد في الفاني وأنت زاهد في الباقي، ومن زهده في درة أزهد ممن زهد في بعرة.
وقد روي مثل هذا عن أبي حازم، أنه قال: ذلك لسليمان بن عبد الملك.
وقال: لو أن لي دعوة مستجابة لجعلتها للإمام، لأن به صلاح الرعية، فإذا صلح أمنت العباد والبلاد.
وقال: إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق حماري وخادمي وامرأتي وفأر بيتي.
وقال في قوله تعالى: { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا } [الملك: 2] قال: يعني أخلصه وأصوبه، إن العمل يجب أن يكون خالصا لله، وصوابا على متابعة النبي ﷺ.
وفيها توفي:
بشر بن المفضل، وعبد السلام بن حرب، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وعبد العزيز العمي.
وعلي بن عيسى، الأمير ببلاد الروم مع القاسم بن الرشيد في الصائفة. ومعتمر بن سليمان.