→ خلافة أبي العباس السفاح | البداية والنهاية – الجزء العاشر مقتل مروان بن محمد بن مروان ابن كثير |
صفة مقتل مروان ← |
آخر خلفاء بني أمية، وتحول الخلافة إلى بني العباس مأخوذة من قوله تعالى: { وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ } [البقرة: 247] ، وقوله: { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ } [آل عمران: 26] الآية.
وقد ذكرنا أن مروان لما بلغه خبر أبي مسلم وأتباعه وما جرى بأرض خراسان، تحول من حران فنزل على نهر قريب من الموصل، يقال له: الزاب من أرض الجزيرة ثم لما بلغه أن السفاح قد بويع له بالكوفة والتفت عليه الجنود، واجتمع له أمره، شق عليه جدا، وجمع جنوده فتقدم إليه أبو عون بن أبي يزيد في جيش كثيف وهو أحد أمراء السفاح، فنازله على الزاب وجاءته الأمداد من جهة السفاح، ثم ندب السفاح الناس ممن يلي القتال من أهل بيته، فأنتدب له عبد الله بن علي فقال: سر على بركة الله.
فسار في جنود كثيرة فقدم على أبي عون فتحول له أبو عون عن سرادقه وخلاه له وما فيه، وجعل عبد الله بن علي على شرطته حياش بن حبيب الطائي، ونصير بن المحتفز، ووجه أبو العباس موسى بن كعب في ثلاثين رجلا على البريد إلى عبد الله بن علي يحثه على مناجزة مروان، والمبادرة إلى قتاله ونزاله قبل أن تحدث أمور، وتبرد نيران الحرب.
فتقدم عبد الله بن علي بجنوده حتى واجه جيش مروان، ونهض مروان في جنوده وتصافَّ الفريقان في أول النهار، ويقال: إنه كان مع مروان يومئذ مائة ألف وخمسون ألفا.
ويقال: مائة وعشرون ألفا، وكان عبد الله بن علي في عشرين ألفا.
فقال مروان لعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز: إن زالت الشمس يومئذ ولم يقاتلونا كنا نحن الذين ندفعها إلى عيسى بن مريم، وإن قاتلونا قبل الزوال فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ثم أرسل مروان إلى عبد الله بن علي يسأله الموادعة، فقال عبد الله: كذب ابن زريق، لا تزول الشمس حتى أوطئه الخيل، إن شاء الله.
وكان ذلك يوم السبت لإحدى عشر ليلة خلت من جمادى الآخرة من هذه السنة، فقال مروان: قفوا لا تبتدئون بقتال.
وجعل ينظر إلى الشمس فخالفه الوليد بن معاوية بن مروان - وهو: ختن مروان على ابنته - فحمل، فغضب مروان فشتمه فقاتل أهل الميمنة فأنحاز أبو عون إلى عبد الله بن علي، فقاتل موسى بن كعب لعبد الله بن علي، فأمر الناس فنزلوا ونودي: الأرض الأرض.
فنزلوا وأشرعوا الرماح وجثوا على الركب وقاتلوهم، وجعل أهل الشام يتأخرون كأنما يدفعون، وجعل عبد الله يمشي قدما، وجعل يقول: يا رب حتى متى نقتل فيك؟
ونادى يا أهل خراسان ! يا شارات إبراهيم الإمام، يا محمد يا منصور، واشتد القتال جدا بين الناس، فلا تسمع إلا وقعا كالمرازب على النحاس، فأرسل مروان إلى قضاعة يأمرهم بالنزول فقالوا: قل لبني سليم فلينزلوا.
وأرسل إلى السكاسك أن احملوا فقالوا: قل لبني عامر أن يحملوا.
فأرسل إلى السكون أن احملوا فقالوا: قل إلى غطفان فليحملوا.
فقال لصاحب شرطته: انزل.
فقال: لا ! والله لا أجعل نفسي غرضا.
قال: أما والله لأسوءنك.
قال: وددت لو قدرت على ذلك.
ويقال: أنه قال ذلك لابن هبيرة.
قالوا: ثم انهزم أهل الشام واتبعتهم أهل خراسان في أدبارهم يقتلون ويأسرون، وكان من غرق من أهل الشام أكثر ممن قتل وكان في جملة من غرق إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك المخلوع، وقد أمر عبد الله بن علي بعقد الجسر، واستخراج من غرق في الماء، وجعل يتلو قوله تعالى: { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } [البقرة: 50] .
وأقام عبد الله بن علي في موضع المعركة سبعة أيام، وقد قال رجل من ولد سعيد بن العاص في مروان وفراره يومئذ:
لج الفرار بمروان فقلت له * عاد الظلوم ظليما همه الهرب
أين الفرار وترك الملك إذ ذهبت * عنك الهوينا فلا دين ولا حسب
فراشة الحلم فرعون العقاب وإن * تطلب نداه فكلب دونه كلب
واحتاز عبد الله ما في معسكر مروان من الأموال والأمتعة والحواصل، ولم يجد فيه امرأة سوى جارية كانت لعبد الله بن مروان، وكتب إلى أبي العباس السفاح بما فتح الله عليه من النصر، وما حصل لهم من الأموال.
فصلى السفاح ركعتين شكرا لله عز وجل، وأطلق لكل من حضر الوقعة خمسمائة خمسمائة، ورفع في أرزاقهم إلى ثمانين، وجعل يتلو قوله: { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ } [البقرة: 249] الآية.