→ ثم دخلت سنة ثنتين وثلاثين ومائة | البداية والنهاية – الجزء العاشر ذكر مقتل إبراهيم بن محمد الإمام ابن كثير |
خلافة أبي العباس السفاح ← |
قد ذكرنا في سنة تسع وعشرين ومائة أن مروان اطلع على كتاب من إبراهيم الإمام إلى أبي مسلم الخرساني، يأمر فيه بأن لا يبقي أحدا بأرض خراسان ممن يتكلم بالعربية إلا أباده، فلما وقف مروان على ذلك سأل عن إبراهيم، فقيل له: هو في بالبلقاء.
فكتب إلى نائب دمشق أن يحضره فبعث نائب دمشق بريدا ومعه صفته ونعته، فذهب الرسول فوجد أخاه أبا العباس السفاح، فاعتقد أنه هو فأخذه فقيل له: إنه ليس به، إنما أخوه.
فدل على إبراهيم فأخذه وذهب معه بأم ولد كان يحبها، وأوصى إلى أهله أن يكون الخليفة من بعده أخوه أبو العباس السفاح، وأمرهم بالمسير إلى الكوفة، فارتحلوا من يومهم إليها، منهم أعمامه الستة وهم: عبد الله، وداود، وعيسى، وصالح، وإسماعيل، وعبد الصمد، بنوا علي، وأخواه: أبو العباس السفاح، ومحمد، ابنا محمد بن علي، وابناه: محمد، وعبد الوهاب، ابنا إبراهيم الإمام الممسوك، وخلق سواهم.
فلما دخلوا الكوفة أنزلهم أبو سلمة الخلال دار الوليد بن سعد، مولى بني هاشم، وكتم أمرهم نحوا من أربعين ليلة من القواد والأمراء، ثم ارتحل بهم إلى موضع آخر، ثم لم يزل ينقلهم من مكان إلى مكان حتى فتحت البلاد، ثم بويع للسفاح.
أما إبراهيم بن محمد الإمام فإنه سير به إلى أمير المؤمنين في ذلك الزمان مروان بن محمد وهو بحرَّان فحبسه، وما زال في السجن إلى هذه السنة، فمات في صفر منها في السجن، عن ثمان وأربعين سنة.
وقيل: إنه غمّ بمرققة وضعت على وجهه حتى مات عن إحدى وخمسين سنة، وصلى عليه رجل يقال له: بهلول بن صفوان.
وقيل: إنه هدم عليه بيت حتى مات.
وقيل: بل سقي لبنا مسموما فمات.
وقيل: إن إبراهيم الإمام شهد الموسم عام إحدى وثلاثين، واشتهر أمره هنالك لأنه وقف في أبهة عظيمة، ونجائب كثيرة، وحرمة وافرة، فأنهى أمره إلى مروان وقيل له: إن أبا مسلم يدعو الناس إلى هذا ويسمونه الخليفة.
فبعث إليه في المحرم من سنة ثنتين وثلاثين وقتله في صفر من هذه السنة، وهذا أصح مما تقدم.
وقيل: إنما أخذه من الكوفة لا من حميمة البلقاء، فالله أعلم.
وقد كان إبراهيم هذا كريما وجوادا له فضائل وفواضل.
وروى الحديث عن: أبيه، عن جده، وأبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنيفة.
وعنه: أخواه عبد الله السفاح، وأبو جعفر عبد الله المنصور، وأبو سلمة عبد الرحمن بن مسلم الخراساني، ومالك بن هاشم.
ومن كلامه الحسن: الكامل المروءة من أحرز دينه، ووصل رحمه، واجتنب ما يلام عليه.