→ ثم دخلت سنة تسع وتسعين ومائة | البداية والنهاية – الجزء العاشر ثم دخلت سنة مائتين من الهجرة ابن كثير |
ثم دخلت سنة إحدى ومائتين ← |
في أول يوم منها: جلس حسين بن حسن الأفطس على طنفسة مثلثة خلف المقام وأمر بتجريد الكعبة مما عليها من كساوي بني العباس، وقال: نطهرها من كساويهم.
وكساها ملاءتين صفراوتين عليهما اسم أبي السرايا، ثم أخذ ما في كنز الكعبة من الأموال، وتتبع ودائع بني العباس فأخذها، حتى أنه أخذ مال ذوي المال ويزعم أنه للمسودة.
وهرب منه الناس إلى الجبال، وسبك ما على رؤوس الأساطين من الذهب، وكان ينزل مقدار يسير بعد جهد، وقلعوا ما في المسجد الحرام من الشبابيك وباعوها بالبخس، وأساؤوا السيرة جدا.
فلما بلغه مقتل أبي السرايا كتم ذلك وأمر رجلا من الطالبيين شيخا كبيرا، واستمر على سوء السيرة، ثم هرب في سادس عشر المحرم منها، وذلك لما قهر هرثمة أبا السرايا وهزم جيشه وأخرجه ومن معه من الطالبيين من الكوفة، ودخلها هرثمة ومنصور بن المهدي فأمنوا أهلها ولم يتعرضوا لأحد.
وسار أبو السرايا بمن معه إلى القادسية، ثم سار منها فاعترضهم بعض جيوش المأمون فهزمهم أيضا وجرح أبو السرايا جراحةً منكرةً جدا، وهربوا يريدون الجزيرة إلى منزل أبي السرايا برأس العين، فاعترضهم بعض الجيوش أيضا فأسروهم و أتوا بهم الحسن بن سهل وهو بالنهروان حين طردته الحربية، فأمر بضرب عنق أبي السرايا فجزع من ذلك جزعا شديدا جدا وطيف برأسه وأمر بجسده أن يقطع اثنتين وينصب على جسري بغداد، فكان بين خروجه وقتله عشرة أشهر.
فبعث الحسن بن سهل بن محمد إلى المأمون مع رأس أبي السرايا.
وقال بعض الشعراء:
ألم تر ضربه الحسن بن سهل * بسيفك يا أمير المؤمنينا
أدارت مرو رأسَ أبي السَّرايا * وأبقيت عبرة للعالمينا
وكان الذي في يده البصرة من الطالبيين زيد بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي، ويقال له: زيد النار، لكثرة ما حرق من البيوت التي للمسودة، فأسره علي بن سعيد وأمنه وبعث به وبمن معه من القواد إلى اليمن لقتال من هناك من الطالبيين.
وفيها: خرج باليمن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي، ويقال له: الجزار لكثرة من قتل من أهل اليمن، وأخذ من أموالهم.
وهو الذي كان بمكة وفعل فيها ما فعل كما تقدم، فلما بلغه قتل أبي السرايا هرب إلى اليمن، فلما بلغ نائب اليمن خبره ترك اليمن وسار إلى خراسان واجتاز بمكة وأخذ أمه منها.
واستحوذ إبراهيم هذا على بلاد اليمن وجرت حروب كثيرة يطول ذكرها، ورجع محمد بن جعفر العلوي عما كان يزعمه، وكان قد ادعى الخلافة بمكة.
وقال: كنت أظن أن المأمون قد مات وقد تحققت حياته، وأنا أستغفر الله وأتوب إليه مما كنت ادعيت من ذلك، وقد رجعت إلى الطاعة وأنا رجل من المسلمين.
ولما هزم هرثمة راسل أبا السرايا وهو الذي أمره بالظهور، فاستدعاه المأمون إلى مرو فأمر به فضرب بين يديه ووطئ بطنه ثم رفع إلى الحبس ثم قتل بعد ذلك بأيام، وانطوى خبره بالكلية.
ولما وصل خبر قتله إلى بغداد عبثت العامة والحربية بالحسن بن سهل نائب العراق، وقالوا: لا نرضى به ولا بعماله ببلادنا.
وأقاموا إسحاق بن موسى المهدي نائبا، واجتمع أهل الجانبين على ذلك، والتفت على الحسن بن سهل جماعة من الأمراء والأجناد، وأرسل من وافق العامة على ذلك من الأمراء يحرضهم على القتال، وجرت الحروب بينهم ثلاثة أيام في شعبان من هذه السنة.
ثم اتفق الحال على أن يعطيهم شيئا من أرزاقهم ينفقونها في شهر رمضان، فما زال يمطلهم إلى ذي القعدة حتى يدرك الزرع، فخرج في ذي القعدة زيد بن موسى، الذي يقال له: زيد النار، وهو أخو أبي السرايا، وقد كان خروجه هذه المرة بناحية الأنبار، فبعث إليه علي بن هشام نائب بغداد عن الحسن بن سهل والحسن بالمدائن إذ ذاك فأخذ وأتي به إلى علي بن هشام، و أطفأ الله ثأرته.
وبعث المأمون في هذه السنة يطلب من بقي من العباسيين، وأحصى كم العباسيون فبلغوا ثلاثة وثلاثين ألفا، ما بين ذكور وإناث.
وفيها: قتلت الروم ملكهم اليون، وقد ملكهم سبع سنين، وملكوا عليهم ميخائيل نائبه.
وفيها: قتل المأمون يحيى بن عامر بن إسماعيل، لأنه قال للمأمون: يا أمير الكافرين. فقتل صبرا بين يديه.
وفيها: حج بالناس محمد بن المعتصم بن هارون الرشيد.
وفيها توفي من الأعيان: أسباط بن محمد، وأبو ضمرة، أنس بن عياض، ومسلم بن قتيبة، وعمر بن عبد الواحد، وابن أبي فديك، ومبشر بن إسماعيل، ومحمد بن جبير، ومعاذ بن هشام.