→ وسفيان بن سعد بن مسروق الثوري | البداية والنهاية – الجزء العاشر أبو دلامة ابن كثير |
ثم دخلت سنة ثنتين وستين ومائة ← |
زيد بن الجون، الشاعر الماجن، أحد الظرفاء، أصله من الكوفة وأقام ببغداد وحظي عند المنصور لأنه كان يضحكه وينشده الأشعار ويمدحه، حضر يوما جنازة امرأة المنصور - وكانت ابنة عمه - يقال لها: حمادة بنت عيسى وكان المنصور قد حزن عليها، فلما سووا عليها التراب وكان أبو دلامة حاضرا، فقال له المنصور: ويحك يا أبا دلامة ! ما أعددت لهذا اليوم؟
فقال: ابنة عم أمير المؤمنين.
فضحك المنصور حتى استلقى، ثم قال: ويحك ! فضحتنا.
ودخل يوما على المهدي يهنئه بقدومه من سفره وأنشده:
إني حلفت لئن رأيتك سالما * بقرى العراق وأنت ذو وفر
لتصلين على النبي محمد * ولتملأن دراهما حجري
فقال المهدي: أما الأول فنعم، نصلي على النبي محمد ﷺ، وأما الثاني فلا.
فقال: يا أمير المؤمنين ! هما كلمتان فلا تفرق بينهما.
فأمر أن يملأ حجره دراهم، ثم قال له: قم !
فقال: ينخرق منها قميصي.
فأفرغت منه في أكياسها ثم قام فحملها وذهب.
وذكر عنه ابن خلكان: أنه مرض ابن له فداواه طبيب فلما عوفي قال له: ليس عندنا ما نعطيك، ولكن ادَّع على فلان اليهودي بمبلغ ما تستحقه عندنا من أجرتك حتى أشهد أنا وولدي بالمبلغ المذكور.
قال: فذهب الطبيب إلى قاضي الكوفة محمد عبد الرحمن بن أبي ليلى - وقيل: ابن شبرمة - فادَّعى عليه عنده فأنكر اليهودي فشهد له أبو دلامة وابنه، فلم يستطع القاضي أن يرد شهادتهما وخاف من طلب التزكية، فأعطى الطبيب المدعي المال من عنده وأطلق اليهودي. وجمع القاضي بين المصالح.
توفي أبو دلامة في هذه السنة، وقيل: إنه أدرك خلافة الرشيد سنة سبعين، فالله أعلم.