→ شريك بن عبد الله | البداية والنهاية – الجزء العاشر ثم دخلت سنة ثمان وسبعين ومائة ابن كثير |
ثم دخلت سنة تسع وسبعين ومائة ← |
فيها: وثبت طائفة من الحوفية من قيس وقضاعة على عامل مصر إسحاق بن سليمان فقاتلوه وجرت فتنة عظيمة فبعث الرشيد هرثمة بن أعين نائب فلسطين في خلق من الأمراء مددا لإسحاق، فقاتلوهم حتى أذعنوا بالطاعة وأدّوا ما عليهم من الخراج والوظائف، واستمر هرثمة نائبا على مصر نحوا من شهر عوضا عن إسحاق بن سليمان، ثم عزله الرشيد عنها وولى عليها عبد الملك بن صالح.
وفيها: وثبت طائفة من أهل إفريقية فقتلوا الفضل بن روح بن حاتم وأخرجوا من كان بها من آل المهلب، فبعث إليهم الرشيد هرثمة فرجعوا إلى الطاعة على يديه.
وفيها: فوض الرشيد أمور الخلافة كلها إلى يحيى بن خالد بن برمك.
وفيها: خرج الوليد بن طريف بالجزيرة وحكم بها وقتل خلقا من أهلها، ثم مضى منها إلى أرمينية فكان من أمره ما سنذكره.
وفيها: سار الفضل بن يحيى إلى خراسان فأحسن السيرة فيها وبنى فيها الربط والمساجد، وغزا ما وراء النهر، واتخذ بها جندا من العجم سماهم العباسية، وجعل ولاءهم له، وكانوا نحوا من خمسمائة ألف، وبعث منهم نحوا من عشرين ألفا إلى بغداد، فكانوا يعرفونه بها بالكرمينية، وفي ذلك يقول مروان بن أبي حفصة:
ما الفضل إلا شهاب لا أفول له * عند الحروب إذا ما تأفل الشهب
حام على ملك قوم غرٌّ سهمهم * من الوراثة في أيديهم سبب
أمست يد لبني ساق الحجيج بها * كتائب ما لها في غيرهم أرب
كتائب لبني العباس قد عرفت * ما ألّف الفضل منها العجم والعرب
أثبت خمس مئين في عدادهم * من الألوف التي أحصت لها الكتب
يقارعون عن القوم الذين هم * أولى بأحمد في الفرقان إن نسبوا
إن الجواد بن يحيى الفضل لا ورق * يبقى على جود كفيه ولا ذهب
ما مر يوم له مذ شد مئزره * إلا تمول أقوام بما يهب
كم غاية في الندى والبأس أحرزها * للطالبين مداها دونها تعب
يعطي النهى حين لا يعطي الجواد ولا * ينبو إذا سلت الهندية القضب
ولا الرضى والرضى لله غايته * إلى سوى الحق يدعوه ولا الغضب
وقد فاض عرفك حتى ما يعادله * غيث ولا بحر له حدب
وكان قد أنشده قبل خروجه إلى خراسان:
ألم تر أن الجود من يد آدم * تحدر حتى صار في راحة الفضل
إذا ما أبو العباس سحت سماؤه * فيا لك من هطل ويا لك من وبل
وقال فيه أيضا:
إذا أم طفل راعها جوع طفلها * دعته باسم الفضل فاعتصم الطفل
ليحيى بك الإسلام إنك عزه * وإنك من قوم صغيرهم كهل
قال: فأمر له بمائة ألف درهم. ذكره ابن جرير.
وقال سلم الخاسر فيهم أيضا:
وكيف تخاف من بؤس بدار * يجاورها البرامكة البحور
وقوم منهم الفضل بن يحيى * نفير ما يوازنه نفير
له يومان يوم ندى وبأس * كأن الدهر بينهما أسير
إذا ما البرمكي غدا ابن عشر * فهمته أمير أو وزير
وقد اتفق للفضل في هذه السفرة إلى خرسان أشياء غريبة، وفتح بلادا كثيرةً، منها: كابل، وما وراء النهر، وقهر ملك الترك وكان ممتنعا، وأطلق أموالا جزيلةً جدا، ثم أقفل راجعا إلى بغداد، فلما اقترب منها خرج الرشيد ووجوه الناس إليه، وقدم عليه الشعراء والخطباء وأكابر الناس، فجعل يطلق الألف ألف، والخمسمائة ألف ونحوها، وأنفذ في ذلك من الأحوال شيئا كثيرا لا يمكن حصره إلا بتعب وكلفة، وقد دخل عليه بعض الشعراء والبدر موضوعة بين يديه وهي تفرق على الناس فقال:
كفى الله بالفضل بن يحيى بن خالد * وجود يديه بخل كل بخيل
فأمر له بمال جزيل.
وغزا الصائفة في هذه السنة: معاوية بن زفير بن عاصم.
وغزا الشاتية: سليمان بن راشد.
وحج بالناس فيها: محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس نائب مكة.
وفيها توفي: جعفر بن سليمان، وعنتر بن القاسم، وعبد الملك بن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، القاضي ببغداد، وصلى عليه الرشيد ودفن بها، وقد قيل: إنه مات في التي قبلها، فالله أعلم.