→ وهذا ذكر شيء من ترجمة الهادي | البداية والنهاية – الجزء العاشر خلافة هارون الرشيد بن المهدي ابن كثير |
الخليل بن أحمد بن عمرو ← |
بويع له بالخلافة ليلة مات أخوه، وذلك ليلة الجمعة للنصف من ربيع الأول سنة سبعين ومائة وكان عمر الرشيد يومئذ ثنتان وعشرين سنة، فبعث إلى يحيى بن خالد بن برمك فأخرجه من السجن، وقد كان الهادي عزم تلك الليلة على قتله وقتل هارون الرشيد، وكان الرشيد ابنه من الرضاعة، فولاه حينئذ الوزارة، وولى يوسف بن القاسم بن صبيح كتابة الإنشاء.
وكان هو الذي قام خطيبا بين يديه حتى أخذت البيعة له على المنبر بعيساباذ.
ويقال: إنه لما مات الهادي في الليل جاء يحيى خالد بن برمك إلى الرشيد فوجده نائما فقال: قم يا أمير المؤمنين.
فقال له الرشيد: كم تروعني، لو سمعك هذا الرجل لكان ذلك أكبر ذنوبي عنده؟
فقال: قد مات الرجل.
فجلس هارون فقال: أشر عليّ في الولايات، فجعل يذكر ولايات الأقاليم لرجال يسميهم فيوليهم الرشيد، فبينما هما كذلك إذ جاء آخر فقال: أبشر يا أمير المؤمنين فقد ولد لك الساعة غلام.
فقال: هو عبد الله وهو المأمون.
ثم أصبح فصلى على أخيه الهادي، ودفنه بعيساباذ، وحلف لا يصلي الظهر إلا ببغداد.
فلما فرغ من الجنازة أمر بضرب عنق أبي عصمة القائد لأنه كان مع جعفر بن الهادي، فزاحموا الرشيد على جسر فقال أبو عصمة: اصبر وقف حتى يجوز ولي العهد.
فقال الرشيد: السمع والطاعة للأمير.
فجاز جعفر وأبو عصمة ووقف الرشيد مكسورا ذليلا.
فلما ولي أمر بضرب عنق أبي عصمة، ثم سار إلى بغداد.
فلما انتهى إلى جسر بغداد استدعى بالغواصين فقال: إني سقط مني ههنا خاتم كان والدي المهدي قد اشتراه لي بمائة ألف، فلما كان من أيام بعث إلى الهادي يطلبه فألقيته إلى الرسول فسقط ههنا.
فغاص الغواصون وراءه فوجدوه فسرّ به الرشيد سرورا كثيرا.
ولما ولى الرشيد يحيى بن خالد الوزارة قال له: قد فوضت إليك أمر الرعية وخلعت ذلك من عنقي وجعلته في عنقك، فول من رأيت واعزل من رأيت.
ففي ذلك يقول إبراهيم بن الموصلي:
ألم تر أن الشمس كانت سقيمة * فلما ولي هارون أشرق نورها
بيمن أمين الله هارون ذي الندي * فهارون واليها ويحيى وزيرها
ثم إن هارون أمر يحيى بن خالد أن لا يقطع أمرا بمشاورة والدته الخيزران.
فكانت هي المشاورة في الأمور كلها، فتبرم وتحل وتمضي وتحكم.
وفيها: أمر الرشيد بسهم ذوي القربى أن يقسم بين بني هاشم على السواء.
وفيها: تتبع الرشيد خلقا من الزنادقة فقتل منهم طائفة كثيرة.
وفيها: خرج عليه بعض أهل البيت.
وفيها: ولد الأمين محمد بن الرشيد بن زبيدة.
وذلك يوم الجمعة لست عشرة خلت من شوال من هذه السنة.
وفيها: كمل بناء مدينة طرسوس على يدي فرج الخادم التركي ونزلها الناس.
وفيها: حج بالناس أمير المؤمنين الرشيد، وأعطى أهل الحرمين أموالا كثيرةً، ويقال: إنه غزا في هذه السنة أيضا.
وفي ذلك يقول داود بن رزين الشاعر:
بهارون لاح النور في كل بلدة * وقام به في عدل سيرته النهج
إمام بذات الله أصبح شغله * وأكثر ما يعني به الغزو والحج
تضيق عيون الناس عن نور وجهه * إذا ما بدا للناس منظره البلج
وإن أمين الله هارون ذا الندا * ينيل الذي يرجوه أضعاف ما يرجو
وغزا الصائفة فيها: سليمان بن عبد الله البكائي.
ذكر من توفي فيها من الأعيان: