→ ثم دخلت سنة ثلاث عشرة ومائتين | البداية والنهاية – الجزء العاشر العكوك الشاعر ابن كثير |
ثم دخلت سنة أربع عشرة ومائتين ← |
أبو الحسن بن علي بن جبلة الخراساني، يلقب: بالعكوك، وكان من الموالي.
ولد أعمى، وقيل: بل أصابه جدري وهو ابن سبع سنين، وكان أسود أبرص، وكان شاعرا مطبقا فصيحا بليغا، وقد أثنى عليه في شعره الجاحظ فمن بعده.
قال: ما رأيت بدويا ولا حضريا أحسن إنشاء منه.
فمن ذلك قوله:
بأبي من زارني متكتما * حذرا من كل شيء جزعا
زائرا ثم عليه حسنه * كيف يخفي الليل بدرا طلعا
رصد الخلوة حتى أمكنت * ورعى السامر حتى هجعا
ركب الأهوال في زورته * ثم ما سلَّم حتى رجعا
وهو القائل في أبي دلف القاسم بن عيسى العجلي:
إنما الدنيا أبو دلفٍ * بين مغزاه ومحتضره
فإذا ولَّى أبو دلف * ولَّت الدنيا على أثره
كلُّ من في الأرض من عرب * بين باديه إلى حضره
يرتجيه نيل مكرمة * يأتسيها يوم مفتخره
ولما بلغ المأمون هذه الأبيات - وهي قصيدة طويلة - عارض فيها أبا نواس فتطلبه المأمون فهرب منه ثم أحضر بين يديه فقال له: ويحك ! فضلت القاسم بن عيسى علينا.
فقال: يا أمير المؤمنين ! أنتم أهل بيت اصطفاكم الله من بين عباده، وآتاكم ملكا عظيما، وإنما فضلته على أشكاله وأقرانه.
فقال: والله ما أبقيت أحدا حيث تقول:
كلُّ من في الأرض من عرب * بين باديه إلى حضره
ومع هذا فلا أستحل قتلك بهذا، ولكن بشركك وكفرك حيث تقول في عبد ذليل:
أنت الذي تنزل الأيام منزلها * وتنقل الدهر من حال إلى حال
وما مددت مدى طرف إلى أحد * إلا قضيت بأرزاق وآجال
ذاك الله يفعله، أخرجوا لسانه من قفاه. فأخرجوا لسانه في هذه السنة فمات.
وقد امتدح حميد بن عبد الحميد الطوسي:
إنما الدنيا حميد *
وأياديه جسام *
فإذا ولَّى حميد *
فعلى الدنيا السلام *
ولما مات حميد هذا رثاه أبو العتاهية بقوله:
أبا غانم أما ذراك فواسع * وقبرك معمور الجوانب محكم
وما ينفع المقبور عمران قبره * إذا كان فيه جسمه يتهدم
وقد أورد ابن خلكان لعكوك هذا أشعارا جيدةً تركناها اختصارا.