→ ثم دخلت سنة أربع وعشرين ومائتين | البداية والنهاية – الجزء العاشر إبراهيم بن المهدي بن المنصور ابن كثير |
أبو عبيد القاسم بن سلام ← |
عم المعتصم، ويعرف: بابن شكله، وكان أسود اللون ضخما فصيحا فاضلا.
قال ابن ماكولا: وكان يقال له: الصيني - يعني: لسواده - وقد كان ترجمه ابن عساكر ترجمة حافلة، وذكر أنه ولي إمرة دمشق نيابة عن الرشيد أخيه مدة سنتين ثم عزله عنها ثم أعاده إليها الثانية فأقام بها أربع سنين.
وذكر من عدله وصرامته أشياء حسنة، وأنه أقام للناس الحج سنة أربع وثمانين، ثم عاد إلى دمشق، ولما بويع بالخلافة في أول خلافة المأمون سنة ثنتين ومائتين قاتله الحسن بن سهل نائب بغداد، فهزمه إبراهيم هذا، فقصده حميد الطوسي فهزم إبراهيم واختفى إبراهيم ببغداد حين قدمها المأمون.
ثم ظفر به المأمون فعفا عنه وأكرمه.
وكانت مدة ولايته الخلافة سنة وإحدى عشر شهرا واثنا عشر يوما.
وكان بدء اختفائه في أواخر ذي الحجة سنة ثلاث ومائتين، فمكث مختفيا ست سنين وأربعة أشهر وعشرا.
قال الخطيب: كان إبراهيم بن المهدي هذا وافر الفضل، غزير الأدب، واسع النفس، سخي الكف، وكان معروفا بصناعة الغناء، حاذقا فيها، وقد قلَّ المال عليه في أيام خلافته ببغداد فألح الأعراب عليه في أعطياهم فجعل يسوِّف بهم.
ثم خرج إليهم رسوله يقول: إنه لا مال عنده اليوم.
فقال بعضهم: فليخرج الخليفة إلينا فليغن لأهل هذا الجانب ثلاثة أصوات، ولأهل هذا الجانب ثلاثة أصوات.
فقال في ذلك دعبل شاعر المأمون يذم إبراهيم بن المهدي:
يا معشر الأعراب لا تغلطوا * خذوا عطاياكم ولا تسخطوا
فسوف يعطيكم حنينية * لا تدخل الكيس ولا تربط
والمعبديات لقوادكم * وما بهذا أحد يغبط
فهكذا يرزق أصحابه * خليفة مصحفه البربط
وكتب إلى ابن أخيه المأمون حين طال عليه الاختفاء: وليُّ الثأر محكم في القصاص والعفو أقرب للتقوى، وقد جعل الله أمير المؤمنين فوق كل عفو، كما جعل كل ذي نسب دونه، فإن عفا فبفضله وإن عاقب فبحقه.
فوقع المأمون في جواب ذلك: القدرة تذهب الحفيظة، وكفى بالندم إنابة وعفو الله أوسع من كل شيء.
ولما دخل عليه أنشأ يقول:
إن أكن مذنبا فحظي أخطأت * فدع عنك كثرة التأنيب
قل كما قال يوسف لبني يعقو * ب لما أتوه لا تثريب
فقال المأمون: لا تثريب.
وروى الخطيب أن إبراهيم لما وقف بين يدي المأمون شرع يؤنبه على ما فعل فقال: يا أمير المؤمنين ! حضرت أبي وهو جدك وقد أتي برجل ذنبه أعظم من ذنبي فأمر بقتله.
فقال مبارك بن فضالة: يا أمير المؤمنين ! إن رأيت أن تؤخر قتل هذا الرجل حتى أحدثك حديثا.
فقال: قل.
فقال: حدثني الحسن البصري، عن عمران بن حصين، أن رسول الله ﷺقال: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: ليقم العافون عن الناس من الخلفاء إلى أكرم الجزاء، فلا يقوم إلا من عفا».
فقال المأمون: قد قبلت هذا الحديث بقبوله وعفوت عنك يا عم.
وقد ذكرنا في سنة أربع ومائتين زيادة على هذا.
وكانت أشعاره جيدة بليغة سامحه الله.
وقد ساق من ذلك ابن عساكر جانبا جيدا.
كان مولد إبراهيم هذا في مستهل ذي القعدة سنة ثنتين وستين ومائة، وتوفي يوم الجمعة لسبع خلون من هذه السنة عن ثنتين وستين سنة.
وفيها توفي: سعيد بن أبي مريم المصري، وسليمان بن حرب، وأبو معمر المقعد، وعلي بن محمد المدائني، الأخباري، أحد أئمة هذا الشأن في زمانه، وعمرو بن مرزوق، شيخ البخاري، وقد تزوج هذا الرجل ألف امرأة.